ولما كان التقدير : فلا جرم أنا أعتدنا - أي هيأنا - لهم عذاباً مهيناً، عطف عليه تعميماً :﴿وأعتدنا للكافرين﴾ أي جميعاً ﴿عذاباً مهيناً﴾ أي كما استهانوا ببعض الرسل وهم الجديرون بالحب والكرامة، والآية شاملة لهم ولغيرهم ممن كان حاله كحالهم، وإيلاء ذلك بيان أحوال المنافقين أنسب شيء وأحسنه للتعريف بأنهم منافقون، من حيث أنهم يظهرون شيئاً من أمر النبي ﷺ ويبطنون غيره وإن كان ما يظهرونه على الضد مما يظهره المنافقون، وبأنهم هم الذين أضلوا المنافقين، وللتحذير من أقوالهم وتزييف ما حرفوا من محالهم، وفي ذلك التفات إلى أول هذه القصة ﴿يا أيها الذين ءامنوا ءامِنوا بالله ورسوله﴾ [ النساء : ١٣٦ ]. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٣٤٢ ـ ٣٤٤﴾
فصل
قال الفخر :
اعلم أنه تعالى لما تكلم على طريقة المنافقين عاد يتكلم على مذاهب اليهود والنصارى ومناقضاتهم وذكر في آخر هذه السورة من هذا الجنس أنواعاً :
النوع الأول : من أباطيلهم : إيمانهم ببعض الأنبياء دون البعض.
فقال :﴿إِنَّ الذين يَكْفُرُونَ بالله وَرُسُلِهِ﴾ فإن اليهود آمنوا بموسى والتوراة وكفروا بعيسى والإنجيل، والنصارى آمنوا بعيسى والإنجيل وكفروا بمحمد والقرآن ﴿وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرّقُواْ بَيْنَ الله وَرُسُلِهِ﴾ أي يريدون أن يفرقوا بين الإيمان بالله ورسله ﴿وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذلك سَبِيلاً﴾ أي بين الإيمان بالكل وبين الكفر بالكل سبيلاً أي واسطة، وهي الإيمان بالبعض دون البعض. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ٧٤﴾
وقال القرطبى :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ... الآية ﴾
فيه ثلاث مسائل :