﴿ إِنَّ الذين يَكْفُرُونَ بالله وَرُسُلِهِ ﴾ أي على ما يؤدي إليه مذهبهم وتقتضيه آراؤهم لا أنهم يصرحون بذلك كما ينبىء عنه قوله تعالى :﴿ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرّقُواْ بَيْنَ الله وَرُسُلِهِ ﴾ في الإيمان بأن يؤمنوا به عز وجل ويكفروا برسله عليهم الصلاة والسلام، لكن لا يصرحون بالإيمان به تعالى وبالكفر بهم قاطبة، بل بطريق الاستلزام كما يحكيه قوله تعالى :﴿ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ ﴾ أي نؤمن ببعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ونكفر ببعضهم كما فعل أهل الكتاب، وما ذلك إلا كفر بالله تعالى وتفريق بين الله تعالى ورسله، لأنه عز وجل قد أمرهم بالإيمان بجميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وما من نبي إلا وقد أخبر قومه بحقية دين نبينا ﷺ فمن كفر بواحد منهم فقد كفر بالكل وبالله تعالى أيضاً من حيث لا يشعر ﴿ وَيُرِيدُونَ ﴾ بهذا القول ﴿ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذلك ﴾ أي الإيمان والكفر ﴿ سَبِيلاً ﴾ أي طريقاً يسلكونه مع أنه لا واسطة بينهما قطعاً، إذ الحق لا يختلف، ﴿ فَمَاذَا بَعْدَ الحق إِلاَّ الضلال ﴾ [ يوسف : ٣٢ ] ا هذا ما ذهب إليه البعض في تفسير الآية وهو الذي تؤيده الآثار، فقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة أنه قال فيها : أولئك أعداء الله تعالى اليهود والنصارى، آمنت اليهود بالتوراة وموسى وكفروا بالإنجيل وعيسى عليه السلام، وآمنت النصارى بالإنجيل وعيسى عليه السلام وكفروا بالقرآن ومحمد ﷺ، فاتخذوا اليهودية والنصرانية وهما بدعتان ليستا من الله عز وجل وتركوا الإسلام وهو دين الله تعالى الذي بعث به رسله، وأخرج ابن جرير عن السدي وابن جريج مثله، وقال بعضهم : الذين يكفرون بالله تعالى ورسله عليهم الصلاة والسلام هم الذين خلص كفرهم الصرف بالجميع فنفوا الصانع مثلاً وأنكروا النبوات، والذين يفرقون بينه تعالى وبين رسله عليهم الصلاة


الصفحة التالية