ومعنى التفريق بين الله ورسله أنّهم ينكرون صدق بعض الرسل الذين أرسلهم الله، ويعترفون بصدق بعض الرسل دون بعض، ويزعمون أنَّهم يؤمنون بالله، فقد فرّقوا بين الله ورسله إذ نفوا رسالتهم فأبعدوهم منه، وهذا استعارة تمثيليّة، شبّه الأمر المتخيّل في نفوسهم بما يضمره مريد التفريق بين الأولياء والأحباب، فهي تشبيه هيئة معقولة بهيئة معقولة، والغرض من التشبيه تشويه المشبّه، إذ قد علم الناس أنّ التفرقة بين المتّصلين ذميمة.
وهذه الآية في معنى الآيات التي تقدّمت في سورة البقرة :﴿ لا نفرّق بين أحد منهم ونحن له مسلمون ﴾ [ البقرة : ١٣٦ ]، ﴿ لا نفرّق بين أحد من رسله ﴾ [ البقرة : ٢٨٥ ]، وفي سورة آل عمران ﴿ لا نفرّق بين أحد منهم ونحن له مسلمون ﴾ [ آل عمران : ٨٤ ] إلاّ أنّ تلك الآيات في التحذير من التفريق بين الرسل، والآية هذه في التحذير من التفريق بين الله وبعض رسله، ومآل الجميع واحد : لأنّ التفريق بين الرسل يستلزم التفريق بين الله وبعض رسله.
وإضافة الجمع إلى الضمير هنا للعهد لا للعموم بالقرينة، وهي قوله :﴿ ويقولون نؤمن ببعض ﴾.
وجملة ﴿ ويقولون نؤمن ببعض ﴾ واقعة في معنى الاستئناف البياني للتفريق بين الله ورسله، ولكنَّها عطفت ؛ لأنّها شأن خاصّ من شؤونهم، إذ مدلولها قول من أقوالهم الشنيعة، ومدلول ﴿ يريدون ﴾ هيئة حاصلة من كفرهم، فلذلك حسن العطف باعتبار المغايرة ولو في الجملة، ولو فصلت لكان صحيحاً.
ومعنى ﴿ يقولون نؤمن ﴾ الخ أنّ اليهود يقولون : نؤمن بالله وبموسى ونكفر بعيسى ومحمد، والنصارى يقولون : نؤمن بالله وبموسى وعيسى ونكفر بمحمد، فآمنوا بالله وبعض رسله ظاهراً وفرّقوا بينه وبين بعض رسله.
والإرادة في قوله ﴿ ويريدون أن يتّخذوا بين ذلك سبيلاً ﴾ إرادة حقيقية.