قوله تعالى :﴿ أولئك هُمُ الكافرون حَقّاً ﴾ تأكيد يزيل التوهم في إيمانهم حين وصفهم بأنهم يقولون نؤمن ببعض، وأن ذلك لا ينفعهم إذا كفروا برسوله ؛ وإذا كفروا برسوله فقد كفروا به عز وجل، وكفروا بكل رسول مبشِّر بذلك الرسول ؛ فلذلك صاروا الكافرين حقاً.
و﴿ لِلْكَافِرِينَ ﴾ يقوم مقام المفعول الثاني لأعتدنا ؛ أي أعتدنا لجميع أصنافهم ﴿ عَذَاباً مُّهِيناً ﴾ أي مُذِلاّ. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٦ صـ ﴾
فائدة
قال الفخر :
في قوله ﴿حَقّاً﴾ وجهان : الأول : أنه انتصب على مثل قولك : زيد أخوك حقاً، والتقدير أخبرتك بهذا المعنى إخباراً حقاً، والثاني : أن يكون التقدير : أولئك هم الكافرون كفراً حقاً.
طعن الواحدي فيه وقال : الكفر لا يكون حقاً بوجه من الوجوه.
والجواب أن المراد بهذا الحق الكامل، المعنى أولئك هم الكافرون كفراً كاملاً ثابتاً حقاً يقيناً. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ٧٥﴾
وقال الآلوسى :
﴿ أولئك ﴾ أي الموصوفون بالصفات القبيحة ﴿ هُمُ الكافرون ﴾ الكاملون في الكفر لا عبرة بما يدعونه ويسمونه إيماناً أصلاً ﴿ حَقّاً ﴾ مصدر مؤكد لغيره وعامله محذوف أي حق ذلك أي كونهم كاملين في الكفر حقاً، وجوّز أن يكون صفة لمصدر الكافرين، أي هم الذين كفروا كفراً حقاً أي لا شك فيه ولا ريب، فالعامل مذكور ؛ وحقاً بمعنى اسم المفعول، وليس بمعنى مقابل الباطل، ولهذا صح وقوعه صفة صناعة ومعنى، واحتمال الحالية ما زعم أبو البقاء بعيد، والآية على ما زعمه البعض متعلقة بقوله تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الذين ءامَنُواْ ءامِنُواْ ﴾ [ النساء : ١٣٦ ] الخ على أنها كالتعليل له وما توسط بين العلة والمعلول من الجمل والآيات إما معترض أو مستطرد عند إمعان النظر ﴿ وَأَعْتَدْنَا للكافرين ﴾ أي لهم، ووضع المظهر موضع المضمر تذكيراً بوصف الكفر الشنيع المؤذن بالعلية، وقد يراد جميع الكفار وهم داخلون دخولاً أولياً.


الصفحة التالية
Icon