روى البخاري : أنّ رجالاً اجتمعوا في بيت عِتبان بن مالك لطعام صنعه لرسول الله ﷺ فقال قائل : أين مالك بن الدّخْشُم، فقال بعضهم : ذلك منافق لا يحبّ الله ورسوله، فقال رسول الله :" لا تقل ذلك ألا تراه قد قال : لا إله إلاّ الله، يريد بذلك وجهَ الله، فقال : فإنَّا نرى وجهه ونصيحته إلى المنافقين ".
الحديثَ.
فظنّ هذا القائل بمالك أنَّه منافق، لملازمته للمنافقين، فوصفه بأنَّه منافق لا يحبّ الله ورسوله.
فلعلّ هذه الآية نزلت للصدّ عن المجازفة بظنّ النفاق بمن ليس منافقاً.
وأيضاً لمّا كان من أخصّ أوصاف المنافقين إظهار خلاف ما يُبطنون فقد ذكرت نجواهم وذكر رياؤهم في هذه السورة وذكرت أشياء كثيرة من إظهارهم خلاف ما يبطنون في سورة البقرة كان ذلك يثير في النفوس خشية أن يكون إظهار خلاف ما في الباطن نفاقاً فأراد الله تبين الفارق بين الحالين.
وجملة ﴿ لا يحبّ ﴾ مفصولة لأنَّها استئناف ابتدائي لهذا الغرض الذي بينّاه : الجهر بالسوء من القول، وقد علم المسلمون أنّ المحبّة والكراهية تستحيل حقيقتهما على الله تعالى، لأنّهما انفعالان للنفس نحو استحسان الحسن، واستنكار القبيح، فالمراد لازمهما المناسب للإلهية، وهما الرضا والغضب.
وصيغة ﴿ لا يحبّ ﴾، بحسب قواعد الأصول، صيغة نفي الإذن.
والأصل فيه التحريم.
وهذا المراد هنا ؛ لأنّ ﴿ لا يحبّ ﴾ يفيد معنى يكره، وهو يرجع إلى معنى النهي.
وفي "صحيح مسلم" عن أبي هريرة قال رسول الله ﷺ " إنّ الله يرضى لكم ثلاثاً ويكره لكم ثلاثاً إلى قوله ويكره لكم قِيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال ".
فهذه أمور ثلاثة أكثر أحوالها مُحرّم أو مكروه.
والمراد بالجهر ما يبلغ إلى أسماع الناس إذ ليس السرّ بالقول في نفس الناطق ممّا ينشأ عنه ضرّ.