وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا قُلْنَاهُ آنِفًا أَنَّ إِبَاحَةَ الْجَهْرِ بِالسُّوءِ لِلْمَظْلُومِ أَوْ مَشْرُوعِيَّتَهُ لَهُ هُوَ مِنْ بَابِ الضَّرُورَاتِ ; لِأَنَّهُ ارْتِكَابُ أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ، وَالضَّرُورَاتُ تُقَدَّرُ بِقَدْرِهَا، كَمَا قَالَ أَهْلُ الْأُصُولِ، فَلَا يَجُوزُ لِلْمَظْلُومِ أَنْ يَتَّبِعَ هَوَاهُ فِي الِاسْتِرْسَالِ وَالتَّمَادِي فِي الْجَهْرِ بِالسُّوءِ، بِمَا لَا دَخْلَ لَهُ فِي مَنْعِ الظُّلْمِ وَالتَّفَصِّي مِنْهُ وَأَطْرِ الظَّالِمِ عَلَى الْحَقِّ، وَالْأَخْذِ عَلَى
يَدِهِ أَوْ يَنْتَهِي عَنِ الظُّلْمِ، وَأَرْجُو أَلَّا يُؤَاخِذَهُ اللهُ بِمَا يُحَرِّكُ بِهِ الْأَلَمُ لِسَانَهُ مِنْ غَيْرِ رَوِيَّةٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَرْحًا لِظُلَامَتِهِ، وَوَسِيلَةً لِلِانْتِصَافِ مِنْ ظَالِمِهِ. وَفِي الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ :" إِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالًا " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ.