فإن قيل : اليهود كانوا كافرين بعيسى أعداء له عامدين لقتله يسمونه الساحر ابن الساحرة والفاعل ابن الفاعلة، فكيف قالوا : إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله ؟
والجواب عنه من وجهين :
الأول : أنهم قالوه على وجه الاستهزاء كقول فرعون ﴿إِنَّ رَسُولَكُمُ الذى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ﴾ [ الشعراء : ٢٧ ] وكقول كفار قريش لمحمد ﷺ :﴿وَقَالُواْ يا أيها الذى نُزّلَ عَلَيْهِ الذكر إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ﴾ [ الحجر : ٦ ]، والثاني : أنه يجوز أن يضع الله الذكر الحسن مكان ذكرهم القبيح في الحكاية عنهم رفعاً لعيسى عليه السلام عما كانوا يذكرونه به. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ٧٩ ـ ٨٠﴾
وقال ابن جزى :
﴿ رَسُولَ الله ﴾ إن قيل : كيف قالوا فيه رسول الله، وهم يكفرون به ويسبونه؟ فالجواب من ثلاثة أوجه : أحدها : أنهم قالوا ذلك على وجه التحكم والاستهزاء، والثاني : أنهم قالوه على حسب اعتقاد المسلمين فيه كأنهم قالوا رسول الله عندكم أو بزعمكم. الثالث : أنه من قول الله لا من قولهم فيوقف قبله، وفائدة تعظيم ذنبهم وتقبيح قولهم إنا قتلناه. أ هـ ﴿التسهيل حـ ١ صـ ١٦٣﴾
قوله تعالى ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ ولكن شُبّهَ لَهُمْ ﴾
فصل
قال الفخر :
اعلم أنه تعالى لما حكى عن اليهود أنهم زعموا أنهم قتلوا عيسى عليه السلام فالله تعالى كذبهم في هذه الدعوى وقال ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ ولكن شُبّهَ لَهُمْ﴾ وفي الآية سؤالان :
السؤال الأول : قوله ﴿شُبّهَ﴾ مسند إلى ماذا ؟ إن جعلته مسنداً إلى المسيح فهو مشبّه به وليس بمشبه، وإن أسندته إلى المقتول فالمقتول لم يجر له ذكر.
والجواب من وجهين : الأول : أنه مسند إلى الجار والمجرور، وهو كقولك : خيل إليه كأنه قيل : ولكن وقع لهم الشبه.
الثاني : أن يسند إلى ضمير المقتول لأن قوله ﴿وَمَا قَتَلُوهُ﴾ يدل على أنه وقع القتل على غيره فصار ذلك الغير مذكوراً بهذا الطريق، فحسن إسناد ﴿شُبّهَ﴾ إليه.