واعلم أن أنواع الذنوب محصورة في نوعين : الظلم للخلق، والإعراض عن الدين الحق، أما ظلم الخلق فإليه الإشارة بقوله ﴿وَبِصَدّهِمْ عَن سَبِيلِ الله﴾ ثم إنهم مع ذلك في غاية الحرص في طلب المال، فتارة يحصلونه بالربا مع أنهم نهوا عنه، وتارة بطريق الرشوة وهو المراد بقوله ﴿وَأَكْلِهِمْ أموال الناس بالباطل﴾ ونظيره قوله تعالى :﴿سماعون للكَذِبَ أكالون لِلسُّحْتِ﴾ [ المائدة : ٤٢ ] فهذه الأربعة هي الذنوب الموجبة للتشديد عليهم في الدنيا وفي الآخرة، أما التشديد في الدنيا فهو الذي تقدم ذكره من تحريم الطيبات عليهم، وأما التشديد في الآخرة فهو المراد من قوله ﴿وَأَعْتَدْنَا للكافرين مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً ﴾. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ٨٤﴾
وقال السمرقندى :
قوله تعالى :﴿ فَبِظُلْمٍ مّنَ الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طيبات أُحِلَّتْ لَهُمْ ﴾ يعني بشركهم حرمنا عليهم أشياء كانت حلالاً لهم، وهو كل ذي ظفر وشحوم البقر والغنم أحلت لهم ﴿ وَبِصَدّهِمْ عَن سَبِيلِ الله كَثِيراً ﴾ أي بصرفهم كثيراً من الناس عن دين الله على وجه التقديم. أ هـ ﴿بحر العلوم حـ ١ صـ ﴾
وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ فَبِظُلْمٍ مِّنَ الذين هَادُواْ ﴾ قال الزجاج : هذا بدل من "فبما نَقْضِهِم".
والطيبات ما نصّه في قوله تعالى ﴿ وَعَلَى الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ ﴾ [ الأنعام : ١٤٦ ] وقدّم الظلم على التحريم إذ هو الغرض الذي قصد إلى الإخبار عنه بأنه سبب التحريم.
﴿ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ الله ﴾ أي وبصدّهم أنفسهم وغيرهم عن اتباع محمد صلى الله عليه وسلم. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٦ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon