ومن فوائد أبى حيان فى الآيتين
قال رحمه الله :
﴿ فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم ﴾ المعنى : فبظلم عظيم، أو فيظلم أي ظلم.
وحذف الصفة لفهم المعنى جائز كما قال : لقد وقعت على لحم أي لحم متبع، ويتعلق بحرمنا.
وتقدم السبب على المسبب تنبيهاً على فحش الظلم وتقبيحاً له وتحذيراً منه.
والطيبات هي ما ذكر في قوله :﴿ وعلى الذين هادوا وحرمت عليهم ﴾ الألبان وبعض الطير والحوت، وأحلت لهم صفة الطيبات بما كانت عليه.
وأوضح ذلك قراءة ابن عباس : طيبات كانت أحلت لهم.
﴿ وبصدهم عن سبيل الله كثيراً ﴾ أي ناساً كثيراً، فيكون كثيراً مفعولاً بالمصدر، وإليه ذهب الطبري.
قال : صدوا بجحدهم أمر محمد ﷺ جمعاً عظيماً من الناس، أو صد كثيراً.
وقدره بعضهم زماناً كثيراً.
﴿ وأخذهم الربا وقد نهوا عنه ﴾ وهذه جملة حالية تفيد تأكيد قبح فعلهم وسوء صنيعهم، إذ ما نهى الله عنه يجب أن يبعد عنه.
قالوا : والربا محرم في جميع الشرائع.
﴿ وأكلهم أموال الناس بالباطل ﴾ أي الرشا التي كانوا يأخذونها من سفلتهم في تحريف الكتاب.
وفي هذه الآية فصلت أنواع الظلم الموجب لتحريم الطيبات.
قيل : كانوا كلما أحدثوا ذنباً حرم عليهم بعض الطيبات، وأهمل هنا تفصيل الطيبات، بل ذكرت نكرة مبهمة.
وفي المائدة فصل أنواع ما حرم ولم يفصل السبب.
فقيل : ذلك جزيناهم ببغيهم، وأعيدت الباء في :﴿ وبصدهم ﴾ لبعده عن المعطوف عليه بالفصل بما ليس معمولاً للمعطوف عليه، بل في العامل فيه.
ولم يعد في :﴿ وأخذهم ﴾ وأكلهم لأن الفصل وقع بمعمول المعطوف عليه.
ونظير إعادة الحرف وترك إعادته قوله :﴿ فبما نقضهم ميثاقهم ﴾ الآية.
وبدىء في أنواع الظلم بما هو أهم، وهو أمر الدّين، وهو الصد عن سبيل الله، ثم بأمر الدنيا وهو ما يتعلق به الأذى في بعض المال، ثم ارتقى إلى الأبلغ في المال الدنيوي وهو أكله بالباطل أي مجاناً لا عوض فيه.