والصحيح جواز معاملتهم مع رباهم واقتحام ما حرّم الله سبحانه عليهم ؛ فقد قام الدليل القاطع على ذلك قرآنا وسنة ؛ قال الله تعالى ﴿ وَطَعَامُ الذين أُوتُواْ الكتاب حِلٌّ لَّكُمْ ﴾ [ المائدة : ٥ ] وهذا نصٌ ؛ وقد عامل النبي ﷺ اليهود ومات ودِرعه مرهونة عند يهودي في شعير أخذه لعياله.
والحاسم لداء الشك والخِلاف اتفاق الأمّة على جواز التجارة مع أهل الحرب ؛ وقد سافر النبي ﷺ إليهم تاجراً، وذلك من سفره أمر قاطع على جواز السفر إليهم والتجارة معهم.
فإن قيل : كان ذلك قبل النبوّة ؛ قلنا : إنه لم يتدنس قبل النبوة بحرام ثبت ذلك تواتراً ولا اعتذر عنه إذ بُعِث، ولا منع منه إذْ نبِّىء، ولا قطعه أحد من الصحابة في حياته، ولا أحد من المسلمين بعد وفاته ؛ فقد كانوا يسافرون في فك الأسرى وذلك واجب، وفي الصلح كما أرسل عثمان وغيره ؛ وقد يجب وقد يكون ندباً ؛ فأمّا السفر إليهم لمجرّد التجارة فمباح. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٦ صـ ﴾
وقال الخازن :
﴿ وأخذهم الربا وقد نهوا عنه ﴾ ثم إنهم مع ذلك في غاية الحرص على طلب المال فتارة يحصلونه بطريق الربا مع أنهم قد نهوا عنه وتارة يحصلونه بطريق الرشا وهو المراد بقوله ﴿ وأكلهم أموال الناس بالباطل ﴾ فهذه الأربعة هي الذنوب التي شدد عليهم بسببها في الدنيا والآخرة، أما التشديد في الدنيا فهو ما تقدم من تحريم الطيبات عليهم وأما التشديد في الآخرة فهو المراد بقوله تعالى :﴿ وأعتدنا للكافرين منهم عذاباً أليماً ﴾ قال المفسرون : إنما قال منهم لأن الله علم أن قوماً منهم سيؤمنون فيأمنون من العذاب. أ هـ ﴿تفسير الخازن حـ ١ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon