ولما كان الرجوع بما بعدها إلى الأسلوب الماضي أبين في مدحها قال :﴿والمؤتون الزكاة﴾ ولما ذكر أنهم جمعوا إلى صلة الخالق الإحسان إلى الخلائق ذكر الإيمان بانياً على عظمته مفصلاً له بعض التفصيل ومشيراً غلأآ أن نفعه كما يشترط أن يكون فاتحاً يشترط أن يكون خاتماً فقال :﴿والمؤمنون بالله﴾ أي مستحضرين ما له من صفات الكمال، وضم إليه الحامل على كل خير والمقعد عن كل شر ترغيباً وترهيباً فقال :﴿واليوم الآخر﴾ فصار الإيمان مذكوراً خمس مرات، فإن هذه الأوصاف لموصوف واحد عطفت بالواو تفخيماً لها وإشارة إلى أن وصف الرسوخ في العلم مقتض لأنهم في الذروة من كل وصف منها والاتصافُ بكل منها يتضمن الإيمان بيوم الدين، فإنه لا يمدح أحد اتصف بشيء منها عرياً عن الإيمان به، لا جرم نبه على فخامة أمرهم وعلو شأنهم بأداة البعد فقال :﴿أولئك﴾ أي العالو الرتبة والهمم، ولكون السياق في الراسخين العاملين أنهى في التأكيد بالسين لأن المكر هنا أقل منه في الأولى، ولم يعرف الأجر، ووصفه بالعظم فقال :﴿سنؤتيهم﴾ أي بعظمتنا الباهرة بوعد لا خلف فيه ﴿أجراً عظيماً ﴾. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٣٦٧ ـ ٣٦٨﴾
فصل
قال الفخر :
اعلم أن المراد من ذلك عبد الله بن سلام وأصحابه الراسخون في العلم الثابتون فيه، وهم في الحقيقة المستدلون بأن المقلد يكون بحيث إذا شكك يشك، وأما المستدل فإنه لا يتشكك ألبتة، فالراسخون هم المستدلون والمؤمنون، يعني المؤمنين منهم أو المؤمنين من المهاجرين والأنصار وارتفع الراسخون على الابتداء و﴿يُؤْمِنُونَ﴾ خبره، وأما قوله ﴿والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة﴾ ففيه أقوال : الأول : روي عن عثمان وعائشة أنهما قالا : إن في المصحف لحناً وستقيمه العرب بألسنتها.