قال الآلوسى :
﴿ وَإِن مّنْ أَهْلِ الكتاب ﴾ أي اليهود خاصة كما أخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، أو هم والنصارى كما ذهب إليه كثير من المفسرين و﴿ إن ﴾ نافية بمعنى ما، وفي الجار والمجرور وجهان : أحدهما : أنه صفة لمبتدأ محذوف، وقوله تعالى :﴿ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ﴾ جملة قسمية، والقسم مع جوابه خبر المبتدأ ولا يرد عليه أن القسم إنشاء لأن المقصود بالخبر جوابه وهو خبر مؤكد بالقسم، ولا ينافيه كون جواب القسم لا محل له لأن ذلك من حيث كونه جواباً فلا يمتنع كونه له محل باعتبار آخر لو سلم أن الخبر ليس هو المجموع، والتقدير : وما أحد من أهل الكتاب إلا والله ليؤمنن به، والثاني : أنه متعلق بمحذوف وقع خبراً لذلك المبتدأ، وجملة القسم صفة له لا خبر، والتقدير : وإن أحد إلا ليؤمنن به كائن من أهل الكتاب ومعناه كل رجل يؤمن به قبل موته من أهل الكتاب، وهو كلام مفيد، فالاعتراض على هذا الوجه بأنه لا ينتظم من أحد، والجار والمجرور إسناد لأنه لا يفيد لا يفيد لحصول الفائدة بلا ريب، نعم المعنى على الوجه الأول كل رجل من أهل الكتاب يؤمن به قبل موته، والظاهر أنه المقصود، وأنه أتم فائدة، والاستثناء مفرغ من أعم الأوصاف، وأهل الكوفة يقدرون موصولاً بعد إلا، وأهل البصرة يمنعون حذف الموصول وإبقاء صلته، والضمير الثاني راجع للمبتدأ المحذوف أعني أحد، والأول لعيسى عليه السلام فمفاد الآية أن كل يهودي ونصراني يؤمن بعيسى عليه السلام قبل أن تزهق روحه بأنه عبد الله تعالى ورسوله، ولا ينفعه إيمانه حينئذٍ لأن ذلك الوقت لكونه ملحقاً بالبرزخ لما أنه ينكشف عنده لكل الحق ينقطع فيه التكليف، ويؤيد ذلك أنه قرأ أبي ليؤمنن به قبل موتهم بضم النون وعود ضمير الجمع لأحد ظاهر لكونه في معنى الجمع، وعوده لعيسى عليه السلام غير ظاهر.


الصفحة التالية
Icon