ومن تأهل هذا جيدًا وأمعن النظر، اتضح له أن هذا، وإن كان هو الواقع، لكن لا يلزم منه أن يكون المرادُ بهذه الآية هذا، بل المراد بها ما ذكرناه من تقرير وجود عيسى، عليه السلام، وبقاء حياته في السماء، وأنه سينزل إلى الأرض قبل يوم القيامة ؛ ليكذب هؤلاء وهؤلاء من اليهود والنصارى الذين تباينت أقوالهم فيه وتضادّت وتعاكست وتناقضت، وخلت عن الحق، ففرّط هؤلاء اليهود وأفرط هؤلاء النصارى : تَنَقَّصه اليهود بما رموه به وأمه من العظائم، وأطراه النصارى بحيث ادعوا فيه بما ليس فيه، فرفعوه في مقابلة أولئك عن مقام النبوة إلى مقام الربوبية، تعالى الله عن قول هؤلاء وهؤلاء علوًّا كبيرًا، وتنزه وتَقَدّس لا إله إلا هو.
ذكر الأحاديث الواردة في نزول عيسى ابن مريم إلى الأرض من السماء في آخر الزمان قبل يوم القيامة، وأنه يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له :
قال البخاري، رحمه الله، في كتاب ذكر الأنبياء، من صحيحه المتلقى بالقبول :(نزول عيسى ابن مريم - عليه السلام) : حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا أبي، عن صالح، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ :"والذي نفسي بيده لَيُوشكَنّ أن ينزل فيكم ابن مريم حَكَمًا عدلا فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد، حتى تكون السجدة خيرا من الدنيا وما فيها". ثم يقول أبو هريرة : اقرؤوا إن شئتم :﴿ وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ﴾


الصفحة التالية
Icon