وقال أبو حيان :
وقدم نوحاً وجرده منهم في الذكر لأنه الأب الثاني، وأول الرسل، ودعوته عامّة لجميع من كان إذ ذاك في الأرض، كما أن دعوة محمد ﷺ عامّة لجميع من في الأرض.
﴿ وأوحينا إلى ابراهيم واسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان ﴾ خص تعالى بالذكر هؤلاء تشريفاً وتعظيماً لهم، وبدأ بابراهيم لأنه الأب الثالث، وقدم عيسى على من بعده تحقيقاً لنبوته، وقطعاً لما رآه اليهود فيه، ودفعاً لاعتقادهم، وتعظيماً له عندهم، وتنويهاً باتساع دائرته.
وتقدم ذكر نسب نوح وابراهيم وهارون في نسب أخيه موسى.
وأما أيوب فذكر الحسين بن أحمد بن القاضي الفاضل عبد الرحيم بن عليّ النيسابوري نسبه فقال : أيوب بن أموص بن بارح بن تورم بن العيص بن إسحاق بن ابراهيم، وأمه من ولد لوط بن هاران.
وأما يونس فهو يونس بن متى.
وقرأ نافع في رواية ابن جماز عنه : يونس بكسر النون، وهي لغة لبعض العرب.
وقرأ النخعي وابن وثاب : بفتحها وهي لغة لبعض عقيل وبعض العرب يهمز ويكسر، وبعض أسد يهمز ويضم النون، ولغة الحجاز ما قرأ به الجمهور من ترك الهمز وضم النون.
﴿ وآتينا داود زبوراً ﴾ أي كتاباً.
وكل كتاب يسمى زبوراً، وغلب على الكتاب الذي أوحاه الله إلى داود.
وهو فعول بمعنى مفعول كالحلوب والركوب، ولا يطرد وهو مائة وخمسون سورة ليس فيها حكم ولا حرام ولا حلال، إنما هي حكم ومواعظ، وقد قرأت جملة منها ببلاد الأندلس.
قيل : وقدم سليمان في الذكر على داود لتوفر علمه، بدليل قوله :﴿ ففهمناها سليمان وكلاً آتينا حكماً وعلماً ﴾ والذي يظهر أنه جمع بين عيسى وأيوب ويونس لأنهم أصحاب امتحان وبلايا في الدنيا، وجمع بين هارون وسليمان لأن هارون كان محبباً إلى بني إسرائيل معظماً مؤثراً، وأما سليمان فكان معظماً عند الناس قاهراً لهم مستحقاً له ما ذكره الله تعالى في كتابه، فجمعهما التحبيب، والتعظيم.


الصفحة التالية
Icon