أما ما ورد في كلام الأنبياء من الإشارة إلى شيء مما ذكرنا في أحوال الأفلاك أو هيئة الأرض - فإنما يقصد منه، النظر إلى ما فيه من الدلالة على حكمة مبدعه، أو توجيه الفكر إلى الغوص لإدراك أسراره وبدائعه، وحالهم، عليه الصلاة والسلام، في مخاطبة أممهم، لا يجوز أن تكون فوق ما يفهمون، وإلا ضاعت الحكمة في إرسالهم، ولهذا قد يأتي التعبير الذي سيق إلى العامة، بما يحتاج إلى التأويل والتفسير عند الخاصة، وكذلك ما وجه إلى الخاصة، يحتاج إلى الزمان الطويل حتى يفهمه العامة، وهذا القسم أقل ما ورد في كلامهم، على كل حال، لا يجوز أن يقام الدين حاجزاً بين الأرواح، وبين ما ميزها الله به من الاستعداد للعلم بحقائق الكائنات الممكنة بقدر الإمكان، بل يجب أن يكون الدين باعثاً على طلب العرفان، مطالباً لها باحترام البرهان، فارضاً عليها أن تبذل ما تستطيع من الجهد في معرفة ما بين يديه من العوالم، ولكن مع التزام القصد، والوقوف في سلامة الاعتقاد عند الحد، ومن قال غير ذلك فقد جهل الدين، وجنى عليه جناية لا يغفرها له رب الدين. انتهى.
ولما تضمن قوله تعالى :﴿ إِنّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ﴾ الآية، إثبات نبوته والاحتجاج على تعنتهم عليه، بسؤال كتاب نزل عليهم من السماء، كأنه قيل : إنهم لا يشهدون ذلك. أ هـ ﴿محاسن التأويل حـ ٥ صـ ٤٦٩ ـ ٤٧٤﴾


الصفحة التالية
Icon