" فوائد لغوية وإعرابية "
قال ابن عادل :
قوله تعالى :﴿ رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ ﴾ : فيه أربعة أوجه :
أحدها : أنه بدل من " رُسُلاً " الأول في قراءة الجمهور، وعبَّر الزمخشريُّ عن هذا بنصبه على التكْريرِ، كذا فهم عنه أبو حيان.
الثاني : أنه منصوبٌ على الحال الموطِّئة ؛ كقولك :" مَرَرْتُ بِزَيْدٍ رَجُلاً صَالِحاً "، ومعنى الموطِّئة، أي : أنَّها ليست مقصودةً، إنما المقصودُ صفتُها ؛ ألا ترى أن الرجوليَّة مفهومة من قولك " بِزَيْدٍ "، وإنما المقصودُ وصفه بالصلاحية.
الثالث : أنه نُصِبَ بإضمار فعل، أي : أرْسَلْنا رُسُلاً.
الرابع : أنه منصوبٌ على المَدْح، قدَّره أبو البقاء بـ " أعني "، وكان ينبغي أن يقدِّره فعلاً دالاًّ على المدْح، نحو :" أمْدَح "، وقد رجَّح الزمخشريُّ هذا الأخير، فقال :" والأوجَهُ أن ينتصِبَ " رُسُلاً " على المدح ".
قوله :" لِئَلاَّ " هذه لام كَيْ، وتتعلَّقُ بـ " مُنْذِرِينَ " على المختار عند البصريِّين، وب " مُبَشِّرِينَ " على المختار عند الكوفيِّين ؛ فإن المسألةَ من التنازُع، ولو كان من إعمالِ الأول، لأضمرَ في الثاني من غير حذفٍ، فكان يُقال : مُبَشِّرينَ ومُنْذِرينَ [ له ] لئلا، ولم يَقُل كذلك، فدلَّ على مذهب البصريِّين، وله في القرآن نظائرُ تقدَّم منها جملة صالحة، وقيل : اللامُ تتعلَّقُ بمحذوف، أي : أرسلْنَاهُم لذلك، و" حُجَّةٌ " اسمُ " كانَ "، وفي الخبر وجهان :
أحدهما : هو " عَلَى الله " و" لِلنَّاسِ " حال.
والثاني : أن الخبر " للنَّاسِ " و" عَلَى الله " حال، ويجوز أن يتعلَّق كُلٌّ من الجارِّ والمجرور بما تعلَّق به الآخرُ، إذا جعلناه خبراً، ولا يجوزُ أن يتعلَّقَ على الله بـ " حُجَّة "، وإن كان المعنى عليه ؛ لأنَّ معمول المصدر لا يتقدم عليه، و" بَعْدَ الرُّسُلِ " متعلقٌ بـ " حُجَّة "، ويجوز أن يتعلَّق بمحذوف على أنه صفةٌ لـ " حُجَّة " ؛ لأنَّ ظروف الزمان تُوصفُ بها الأحداثُ ؛ كما يخْبر بها عنها ؛ نحو :" القِتَالُ يَوْمُ الجُمُعَةِ ". أ هـ ﴿تفسير ابن عادل حـ ٧ صـ ١٣٦ ـ ١٣٧﴾
من لطائف الإمام القشيرى فى الآية
قال عليه الرحمة :
قوله جلّ ذكره :﴿ رُّسُلاً مُّبَشْرِينَ وَمُنذِرِينَ ﴾.
وقَفَ الخلْقَ عند مقاديرهم ؛ وبيَّن أنه أرسل إليهم الرسل فتفردوا عليهم إلى اجتباء ثوابهم، واجتناب ما فيه استحقاق عذابهم، وأنه ليس للخلْق سبيل إلى راحة يطلبونها ولا إلى آفة يجتنبونها إما في الحال أو في المآل.
قوله جلّ ذكره :﴿ لِئِلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾.
أنَّى يكون لمن له إلى الله حاجة على الله حُجَّة؟! ولكنَّ الله خاطبهم على حسب عقولهم. أ هـ ﴿لطائف الإشارات حـ ١ صـ ٣٩١﴾


الصفحة التالية
Icon