ثم توعد من كفر بهم فقال: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ أي: جمعوا بين الكفر بأنفسهم وصدِّهم الناس عن سبيل الله. وهؤلاء هم أئمة الكفر ودعاة الضلال ﴿ قَدْ ضَلُّوا ضَلالا بَعِيدًا ﴾ وأي ضلال أعظم من ضلال من ضل بنفسه وأضل غيره، فباء بالإثمين ورجع بالخسارتين وفاتته الهدايتان، ولهذا قال: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا ﴾ وهذا الظلم هو زيادة على كفرهم، وإلا فالكفر عند إطلاق الظلم يدخل فيه.
والمراد بالظلم هنا أعمال الكفر والاستغراق فيه، فهؤلاء بعيدون من المغفرة والهداية للصراط المستقيم. ولهذا قال: ﴿ لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا * إِلا طَرِيقَ جَهَنَّمَ ﴾.
وإنما تعذرت المغفرة لهم والهداية لأنهم استمروا في طغيانهم وازدادوا في كفرانهم فطبع على قلوبهم وانسدت عليهم طرق الهداية بما كسبوا ﴿ وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾.
﴿ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ﴾ أي لا يبالي الله بهم ولا يعبأ لأنهم لا يصلحون للخير ولا يليق بهم إلا الحالة التي اختاروها لأنفسهم. أ هـ ﴿تفسير السعدى صـ ٢١٥﴾