والتشبيه في قوله :﴿ كما أوحينا إلى نوح ﴾ تشبيه بجنس الوحي وإن اختلفت أنواعه، فإنّ الوحي إلى النبي ﷺ كان بأنواع من الوحي ورد بيانها في حديث عائشة في الصحيح عن سؤال الحارث بن هشام النّبيء ﷺ كيف يأتيك الوحي بخلاف الوحي إلى غيره ممّن سمّاهم الله تعالى فإنّه يحتمل بعض من الأنواع، على أنّ الوحي للنبيء ﷺ كان منه الكتاب القرآن ولم يكن لبعض من ذكر معه كتاب.
وعدّ الله هنا جمعاً من النبيئين والمرسلين وذكر أنّه أوحي إليهم ولم يختلف العلماء في أنّ الرسل والأنبياء يُوحى إليهم.
وإنَّما اختلفت عباراتهم في معنى الرسول والنبي.
ففي كلام جماعة من علمائنا لا نجد تفرقة، وأنّ كلّ نبيء فهو رسول لأنَّه يوحى إليه بما لا يخلو من تبليغه ولو إلى أهل بيته.
وقد يكون حال الرسول مبتدأ بنبؤة ثمّ يعقبها إرساله، فتلك النبوة تمهيد الرسالة كما كان أمر مبدإ الوحي إلى رسول الله ﷺ فإنَّه أخبر خديجة، ونزل عليه :﴿ وأنذر عشيريتك الأقربين ﴾ [ الشعراء : ٢١٤ ].
والقول الصحيح أنّ الرسول أخصّ، وهو من أوحي إليه مع الأمر بالتبليغ، والنبي لا يؤمر بالتبليغ وإن كان قد يبلّغ على وجه الأمر بالمعروف والدعاء للخير، يعني بدون إنذار وتبشير.
وورد في بعض الأحاديث : الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً، وعدّ الرسل ثلاثمائة وثلاثة عشر رسولاً.
وقد ورد في حديث الشفاعة، في الصحيح : أنّ نوحاً عليه السلام أوّل الرسل.
وقد دَلَّت آيات القرآن على أنّ الدّين كان معروفاً في زمن آدم وأنّ الجزاء كان معلوماً لهم، فقد قَرّب ابنَا آدَمَ قرباناً، وقال أحدهما للآخر
﴿ إنَّما يتقبّل الله من المتّقين ﴾ [ المائدة : ٢٧ ]، وقال له :﴿ إني أخاف الله ربّ العالمين إني أريد أن تَبوء بإثمي وإثمك فتكونَ من أصحاب النّار وذلك جزاءُ الظّالمين ﴾ [ المائدة : ٢٨، ٢٩ ].


الصفحة التالية
Icon