ولما كان المراد أنه لا فرق بين النبي والرسول في الوحي نبه على ذلك بقوله :﴿وكلم الله﴾ أي الذي له الكمال كله فهو يفعل ما يريد لا أمر لأحد معه ﴿موسى تكليماً﴾ أي على التدرج شيئاً فشيئاً بحسب المصالح من غير واسطة ملك، فلا فرق في الوحي بين ما كان بواسطة وبين ما كان بلا واسطة، والمعنى أنكم لو كنتم إنما تتوقفون عن الإيمان ببعض الأنبياء تثبتاً لتعلموا أنه فعل به ما فعل بموسى عليه الصلاة والسلام من الكرامة، لم تؤمنوا بإبراهيم وإسحاق ويعقوب والأسباط وهارون وغيرهم، فإنه خص بالتكليم دونهم، فلِمَ جعلتم الإتيان بمثل ما أتى به موسى عليه الصلاة والسلام شرطاً في الإيمان ببعض الأنبياء دون بعض؟ وإن جعلتم الشرط الإتيان بالكتاب جملة ومن السماء مدعين أنه كان له ذلك دون التكليم وغيره مما جعل له، كان ذلك - على تقدير التسليم تنزلاً - تحكماً وترجيحاً من غير مرجح، على أن التوراة أيضاً - كما تقدم بيانه - كهذا القرآن في إنزالها منجمة على حسب الوقائع على ما أشار إليه قوله ( تكليماً ) ولم يكتب منها جملة إلا اللوحان اللذان وضعا في تابوت الشهادة كما أنزل بعض سور القرآن جملة كسورة الأنعام، وليس في نزول موسى عليه الصلاة والسلام بهما من جبل الطور مكتوبَين دليل على نزولهما من السماء ويدل على ذلك كثير من نصوصها أصرحها أنه تعالى حرم عليهم العمل في السبت عقب إخراجهم من البحر عند إنزال المن - كما بين في السفر الثاني منهما - ولم يبين كيف يفعل بالعاصي فيه إلا بعد ذلك بدهر، بدليل ما في السفر الرابع منها في قصة التيه : ومكث بنو إسرائيل في البرية ووجدوا رجلاً يحتطب حطباً يوم السبت، فقدمه الذين وجدوه يحتطب إلى موسى وهارون وإلى الجماعة كلها، وحبسوه في السجن، لأنه لم يكن أوحى إلى موسى كيف يصنع به؟ فقال الرب لموسى : يقتل هذا الرجل، يرجم بالحجارة خارجاً من العسكر، ورجمه الجماعة كلها بالحجارة ومات - كما أمر


الصفحة التالية
Icon