قال النحاس : وأجمع النحويون على أنك إذا أكدت الفعل بالمصدر لم يكن مجازا، وأنه لا يجوز في قول الشاعر :
امتلأ الحَوْضُ وقال قَطْني...
أن يقول : قال قولا ؛ فكذا لما قال :"تَكْلِيماً" وجب أن يكون كلاماً على الحقيقة من الكلام الذي يُعقل.
وقال وهب بن منبه : إن موسى عليه السلام قال :"يارب بِمَ اتخذتني كليماً"؟ طلب العمل الذي أسعده الله به ليُكثر منه ؛ فقال الله تعالى له : أتذكر إذ نَدّ من غنمك جَدْيٌ فاتبعته أكثر النهار وأتعبك، ثم أخذته وقبلته وضممته إلى صدرك وقلت له ؛ أتعبتني وأتعبت نفسك، ولم تغضب عليه ؛ من أجل ذلك اتخذتك كليماً. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٦ صـ ﴾
وقال الخازن :
قوله تعالى :﴿ ورسلاً قد قصصناهم عليك من قبل ﴾ لما نزلت هذه الآية المتقدمة قالت اليهود ما لموسى لم يذكر؟ فأنزل الله هذه الآية وفيها ذكر موسى عليه السلام والمعنى وأوحينا إلى رسل قد قصصنا عليك من قبل يعني سميناهم في القرآن وعرفناك أخبارهم وإلى من بعثوا وما ورد عليهم من قومهم ﴿ ورسلاً لم نقصصهم عليك ﴾ أي لم نسمهم لك ولم نعرفك أخبارهم قال أهل المعاني الذين نوه الله بذكرهم من الأنبياء يدل على تفضيلهم على من لم يذكر ولم يسم.
وقوله تعالى :﴿ وكلم الله موسى تكليماً ﴾ يعني خاطبه مخاطبة من غير واسطة لأن تأكيد كلم بالمصدر يدل على تحقيق الكلام وأن موسى عليه السلام سمع كلام الله بلا شك لأن أفعال المجاز لا تؤكد بالمصادر فلا يقال أراد الحائط يسقط إرادة.
وهذا رد على من يقول إن الله خلق كلاماً في محل فسمع موسى ذلك الكلام وقال الفراء العرب تسمى كل ما يوصل إلى الإنسان كلاماً بأي طريق وصل لكن لا تحققه بالمصدر وإذا حقق بالمصدر لم يكن إلاّ حقيقة الكلام فدل قوله تعالى تكليماً على أن موسى قد سمع كلام الله حقيقة من غير واسطة.


الصفحة التالية
Icon