ولما نهاهم عن ذلك بصيغة النهي صرح به في مادته مرغباً مرهباً في صيغة الأمر بقوله :﴿انتهوا﴾ أي عن التثليث الذي نسبتموه إلى الله بسببه، وعن كل كفر، وقد أرشد سياق التهديد إلى أن التقدير : إن تنتهوا يكن الانتهاء ﴿خيراً لكم ﴾.
ولما نفى أن يكون هو الله، كما تضمن قولهم، حصر القول فيه سبحانه في ضد ذلك، كما فعل في عيسى عليه الصلاة والسلام فقال :﴿إنما الله﴾ أي الذي له الكمال كله ؛ ولما كان النزاع إنما هو في الوحدانية من حيث الإلهية، لا من حيث الذات قال :﴿إله واحد﴾ أي لا تعدد فيه بوجه.
ولما كان المقام عظيماً زاد في تقديره، فنزهه عما قالوه فقال :﴿سبحانه﴾ أي تنزه وبعد بعداً عظيماً وعلا علواً كبيراً ﴿أن﴾ أي عن أن ﴿يكون له ولد﴾ أي كما قلتم أيها النصارى! فإن ذلك يقتضي الحاجة، ويقتضي التركيب والمجانسة، فلا يكون واحداً ؛ ثم علل ذلك بقوله :﴿له﴾ أي لأنه إله واحد لا شريك له له ﴿ما في السماوات﴾ وأكد لأن المقام له فقال :﴿وما في الأرض﴾ أي خلقاً ومِلكاَ ومُلكاً، فلا يتصور أن يحتاج إلى شيء منهما ولا إلى شيء متحيّز فيهما، ولا يصح بوجه أن يكون بعض ما يملكه المالك جزءاً منه وولداً له، وعيسى وأمه عليهما الصلاة والسلام من ذلك، وكل منهما محتاج إلى ما في الوجود.
ولما كان معنى ذلك أنه الذي دبرهما وما فيهما، لأن الأرض في السماء، وكل سماء في التي فوقها، والسابعة في الكرسي، والكرسي في العرش، وهو ذو العرش العظيم لا نزاع في ذلك، وذلك هو وظيفة الوكيل بالحقيقة ليكفي من وكله كل ما يهمه ؛ كان كأنه قيل : وهو الوكيل فيهما وفي كل ما فيهما في تدبير مصالحكم، فبنى عليه قوله :﴿وكفى بالله﴾ أي الذي أحاط بكل شيء علماً وقدرة ﴿وكيلاً﴾ أي يحتاج إليه كل شيء، ولا يحتاج هو إلى شيء، وإلا لما كان كافياً. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٣٧٥ ـ ٣٧٧﴾


الصفحة التالية
Icon