قوله تعالى :﴿ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلى مَرْيَمَ ﴾ أي هو مكوّن بكلمة "كن" فكان بشراً من غير أب، والعرب تسمي الشيء باسم الشيء إذا كان صادراً عنه.
وقيل :"كلِمته" بشارة الله تعالى مريم عليها السلام، ورسالته إليها على لسان جبريل عليه السلام ؛ وذلك قوله :
﴿ إِذْ قَالَتِ الملائكة يامريم إِنَّ الله يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ ﴾ [ آل عمران : ٤٥ ].
وقيل :"الكلِمة" هاهنا بمعنى الآية ؛ قال الله تعالى :﴿ وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبَّهَا ﴾ [ التحريم : ١٢ ] و﴿ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ الله ﴾ [ لقمان : ٢٧ ].
وكان لعيسى أربعة أسماء ؛ المسيح وعيسى وكلمةٌ ورُوحٌ، وقيل غير هذا مما ليس في القرآن.
ومعنى "أَلْقَاها إلَى مَرْيَمَ" أمر بها مريم.
قوله تعالى :﴿ وَرُوحٌ مِّنْهُ ﴾.
هذا الذي أوقع النصارى في الإضلال ؛ فقالوا : عيسى جزء منه فجهلوا وضلوا ؛ وعنه أجوبة ثمانية ؛ الأوّل قال أُبيّ بن كعب : خلق الله أرواح بني آدم لما أخذ عليهم الميثاق ؛ ثم ردّها إلى صلب آدم وأمسك عنده روح عيسى عليه السلام ؛ فلما أراد خلقه أرسل ذلك الرّوح إلى مريم، فكان منه عيسى عليه السلام ؛ فلهذا قال :﴿ وَرُوحٌ مِّنْهُ ﴾.
وقيل : هذه الإضافة للتفضيل وإن كان جميع الأرواح من خلقه ؛ وهذا كقوله :﴿ وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّآئِفِينَ ﴾ [ الحج : ٢٦ ] وقيل : قد يسمى من تظهر منه الأشياء العجيبة روحاً، وتضاف إلى الله تعالى فيقال : هذا روح من الله أي من خلقه ؛ كما يقال في النعمة إنها من الله.
وكان عيسى يبرىء الأكمه والأبرص ويحيي الموتى فاستحق هذا الاسم.
وقيل : يسمى روحاً بسبب نفخة جبريل عليه السلام، ويسمى النفخ روحاً ؛ لأنه ريح يخرج من الروح قال الشاعر هو ذو الرمة :
فقلتُ له ارفعها إلَيكَ وأحْيِها...
بِرُوحِكَ واقتته لها قِيتَةً قَدْرا


الصفحة التالية
Icon