وقوله :﴿ ومن يستنكف عن عبادته ﴾ الآية تخلّص إلى تهديد المشركين كما أنبأ عنه قوله :﴿ وأمَّا الَّذين استنكفوا واستكبروا فيعذّبهم عذاباً أليماً ولا يجدون لهم من دون الله وليَّاً ولا نصيرا ﴾.
وضمير الجمع في قوله :﴿ فسيحشرهم ﴾ عائد إلى غير مذكور في الكلام، بل إلى معلوم من المقام، أي فسَيَحْشُر النّاسَ إليه جميعاً كما دلّ عليه التفصيل المفرّع عليه وهو قوله :﴿ فأمّا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ﴾ الخ. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٤ صـ ﴾
ومن فوائد أبى حيان فى الآية
قال رحمه الله :
﴿ لن يستنكف المسيح أن يكون عبداً لله ولا الملائكة المقربون ﴾ روي أنّ " وفد نجران قالوا لرسول الله ﷺ : لم تعيب صاحبنا؟ قال : وما صاحبكم؟ قالوا : عيسى قال : وأي شيء أقول؟ قالوا : تقول أنه عبد الله ورسوله قال : إنه ليس بعار أن يكون عبداً قالوا : بلى ".
فنزلت أي لا يستنكف عيسى من ذلك فلا تستنكفوا له منه، فلو كان موضع استنكاف لكان هو أولى بأن يستنكف لأن العار ألصق به، أي : لن يأنف ويرتفع ويتعاظم.
وقرأ على عبيد الله على التصغير.
والمقربون أي : الكروبيون الذين هم حول العرش كجبريل، وميكائيل، وإسرافيل، ومن في طبقتهم قاله الزمخشري.
وقال ابن عباس : هم حملة العرش.
وقال الضحاك : من قرب منهم من السماء السابعة انتهى.
وعطفوا على عيسى لأن من الكفار من يعبد الملائكة.
وفي الكلام حذف التقدير : ولا الملائكة المقربون أن يكونوا عبيداً الله، فإن ضمن عبداً معنى ملكاً لله لم يحتج إلى هذا التقدير، ويكون إذ ذاك ولا الملائكة من باب عطف المفردات، بخلاف ما إذا لحظ في عبد الوحدة.
فإن قوله : ولا الملائكة يكون من باب عطف الجمل لاختلاف الخبر.
وإن لحظ في قوله : ولا الملائكة معنى : ولا كل واحد من الملائكة، كان من عطف المفردات.
وقد تشبث بهذه الآية من زعم أن الملائكة أفضل من الأنبياء.


الصفحة التالية
Icon