فإنك لو ذهبت فيها إلى أن يكون المسيح أفضل من الملائكة وأعلى رتبة لكان ذكر الملائكة بعده كالمستغنى عنه لأنه إذا كان الأفضل وهو المسيح على هذا التقدير عبداً ( لله ) غير مستنكف من العبودية لزم من ذلك أن ما دونه في الفضيلة أولى أن لا يستنكف عن كونه عبداً لله تعالى وهم الملائكة على هذا التقدير، فلم يتجدد إذن بقوله تعالى :﴿ وَلاَ الملائكة المقربون ﴾ إلا ما سلف أول الكلام، وإذا قدرت المسيح مفضولاً بالنسبة إلى الملائكة فكأنك ترقيت من تعظيم الله تعالى بأن المفضول لا يستنكف عن كونه عبداً له تعالى إلى أن الأفضل لا يستنكف عن ذلك، وليس يلزم من عدم استنكاف المفضول عدم استنكاف الأفضل، فالحاجة داعية إلى ذكر الملائكة إذ لم يستلزم الأول الآخر، فصار الكلام على هذا التقدير متجدد الفائدة متزائدها، ومتى كان كذلك تعين أن يحمل عليه الكتاب العزيز لأنه الغاية في البلاغة.


الصفحة التالية
Icon