ويجوز أن يعود إلى الَّذين ﴿ استنكفوا واستكبروا ﴾ ويكون ﴿ جميعاً ﴾ بمعنى مجموعين إلى غيرهم، منصوباً، فإنّ لفظ جميع له استعمالات جمّة : منها أن يكون وصفاً بمعنى المجتمع، وفي كلام عمر للعبّاس وعليّ :"ثم جئتُماني وأمركما جميع" أي متّفق مجموع، فيكون منصوباً على الحال وليس تأكيداً.
وذكر فريق المؤمنين في التفصيل يدلّ على أحد التقديرين.
والتوفية أصلها إعطاء الشيء وافياً، أي زائداً على المقدار المطلوب، ولمّا كان تحقّق المساواة يخفَى لقلّة المَوازين عندهم، ولاعتمادهم على الكيل، جعلوا تحقّق المساواة بمقدار فيه فضْل على المقدار المساوي، أطلقت التوفية على إعطاء المعادل ؛ وتُقابَل بالخسان وبالغبن، قال تعالى حكاية عن شعيب ﴿ أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين ﴾ [ الشعراء : ١٨١ ] ولذلك قال هنا :﴿ ويزيدُهم من فضله ﴾، وهذه التوفية والزيادة يرجعان إلى تقدير يعلمه الله تعالى.
وقوله :﴿ ولا يجدون لهم من دون الله وليّاً ولا نصيراً ﴾ تأييس لهم إذ قد عرف عند العرب وغيرهم، من أمم ذلك العصر، الاعتماد عند الضيق على الأولياء والنصراء ليكفّوا عنهم المصائب بالقتال أو الفداء، قال النابغة:
يأمُلْنَ رِحلة نَصر وابن سيَّار...
ولذلك كثر في القرآن نفي الوليّ، والنصير، والفداء ﴿ فلَن يُقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً ولو افتدى به أولئك لهم عذابٌ أليمٌ وما لهم من ناصرين ﴾ [ آل عمران : ٩١ ]. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٤ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon