وليس يلزم أن لا تنزل سورة حتى ينتهي نزول أخرى بل يجوز أن تنزل سورتان في مدة واحدة.
وهي، أيضا، متأخرة عن سورة براءة : لأن براءة تشتمل على كثير من أحوال المنافقين وسورة المائدة لا تذكر من أحوالهم إلا مرة، وذلك يؤذن بأن النفاق حين نزولها قد انقطع، أو خضدت شوكة أصحابه.
وإذ قد كانت سورة براءة نزلت في عام حج أبي بكر بالناس، أعني سنة تسع من الهجرة.
فلا جرم أن بعض سورة المائدة نزلت في عام حجة الوداع، وحسبك دليلا اشتمالها على آية ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة : ٣]التي اتفق أهل الأثر على أنها نزلت يوم عرفة، عام حجة الوداع، كما في خبر عن عمر بن الخطاب.
وفي سورة المائدة[٣] قوله تعالى :﴿الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ﴾ وفي خطبة حجة الوداع يقول رسول الله ﷺ :" إن الشيطان قد يئس أن يعبد في بلدكم هذا ولكنه قد رضي بما دون ذلك مما تحقرون من أعمالكم ".
وقد عدت السورة الحادية والتسعين في عدد السور على ترتيب النزول.
عن جابر بن زيد، نزلت بعد سورة الأحزاب وقبل سورة الممتحنة.
وعدد آيها : مائة واثنتان وعشرون في عدد الجمهور، ومائة وثلاث وعشرون في عد البصريين، ومائة وعشرون عند الكوفيين.
وجعلت هذه السورة في المصحف قبل سورة الأنعام مع أن سورة الأنعام أكثر منها عدد آيات : لعل ذلك لمراعاة اشتمال هذه السورة على أغراض تشبه ما اشتملت عليه سورة النساء عونا على تبيين إحداهما للأخرى في تلك الأغراض.
وقد احتوت هذه السورة على تشريعات كثيرة تنبئ بأنها أنزلت لاستكمال شرائع الإسلام، ولذلك افتتحت بالوصاية بالوفاء بالعقود، أي بما عاقدوا الله عليه حين دخولهم في الإسلام من التزام ما يؤمرون به، فقد كان النبي ﷺ يأخذ البيعة على الصلاة والزكاة والنصح لكل مسلم، كما في حديث جابر بن عبد الله في الصحيح.


الصفحة التالية
Icon