وإذا كان الحقد البشرى فى الجماعات هو الذى يؤدى إلى أشد الجرائم فتكا بها، فقد ذكر سبحانه عقوبات شديدة تناسب الجرائم العنيفة الشديدة، فذكر سبحانه عقوبة الذين يحاربون النظام، وينقضون على الشرع ويزعجون الآمنين، ويقطعون الطريق على السابلة (١)، وقد ذكر سبحانه وتعالى - بعد ذكر عقوبة قطع الطريق المغلظة بطبيعتها - ذكر سبحانه أن طلب الحق والجهاد فى سبيله، وتثبيت النظام الإسلامى ووضعه فى نصابه، هو الوسيلة الكبرى للتقرب إلى الله تعالى. وذكر من بعد عقوبة الذين يهددون الأمن بقوة قاهرة ظاهرة، وحكم الذين
يهددون الأمن فى خفية، ويزعجون الناس فى مآمنهم، فذكر عقوبة السرقة، وهى قطع اليد.
وبعد بيان هذه العقوبات الزاجرة للجرائم المنبعثة، والتى يسوق إليها الحقد والحسد أخذ يبين سبحانه حال أهل الكتاب من اليهود، وما فسدت به قلوبهم من حقد أثر فى قولهم واعتقادهم، وأوجد النفاق فى قلوبهم، وجعل أعمالهم إثما مستمرا، وأنهم لم ينفذوا أحكام التوراة فى جرائمهم، وأرادوا أن يفروا منها إلى أحكام الإسلام زاعمين أنها تخفف عنهم، وقد بين سبحانه أحكام التوراة. التى نزلت على موسى، ووجوب أن يخضعوا لها، كما يجب أن يخضع أهل الإنجيل لما جاء فى الإنجيل، ومنها التبشير بمحمد ( ﷺ )، وأشار سبحانه وتعالى إلى أن لكل أمة جعل - سبحانه - شرعة ومنهاجا مؤقتا، حتى جاءت شريعة محمد ( ﷺ ) - وإنه بعد نزول القرآن لا حكم إلا له ؟ ولذا قال سبحانه :(وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا
فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنو بهم " وإن كثيرا من الناس لفاسقون أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون -
_________
(١) السابلة : أبناء الطريق المختلفة في الطرقات. الصحاح. سبل.