ولا يكفي إذن أن يتخذ البشر لأنفسهم شرائع تشابه شريعة الله. أو حتى شريعة الله نفسها بنصها، إذا هم نسبوها إلى أنفسهم، ووضعوا عليها شاراتهم ; ولم يردوها لله ; ولم يطبقوها باسم الله، إذعانا لسلطانه، واعترافا بألوهيته ; وبتفرده بهذه الألوهية. التفرد الذي يجرد العباد من حق السلطان والحاكمية، إلا تطبيقالشريعة الله، وتقريرا لسلطانه في الأرض.
ومن هذه الحتمية ينشأ الحكم الذي تقرره الآيات في سياق السورة: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون).. (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون).. (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون).. ذلك أن الذين لا يحكمون بما أنزل الله يعلنون رفضهم لألوهية الله - سبحانه - ورفضهم لإفراد الله - سبحانه - بهذه الألوهية. يعلنون هذا الرفض بعملهم وواقعهم ; ولو لم يعلنوه بأفواههم وألسنتهم. ولغة العمل والواقع أقوى وأكبر من لغة الفم واللسان. ومن ثم يصمهم القرآن بالكفر والظلم والفسق، أخذا من رفضهم لألوهية الله - حين يرفضون حاكميته المطلقة ; وحين يجعلون لأنفسهم خاصة الألوهية الأولى فيشرعون للناس من عند أنفسهم ما لم يأذن به الله.
وعلى هذا المعنى يتكى ء سياق السورة ونصوصها الواضحة الصريحة كذلك.
شأن آخر يتناوله سياق السورة ; غير بناء التصور الاعتقادي الصحيح، وبيان الانحرافات التي تتلبس به عند أهل الكتاب وأهل الجاهلية ; وغير بيان معنى "الدين" وأنه الاعتقاد الصحيح والطاعة والتلقي من الله وحده في التحريم والتحليل، والحكم بما أنزل الله وحده دون تعديل أو تحريف أو تبديل.