ولكن المراجعة الموضوعية للسورة للسورة مع أحداث السيرة تكاد تنفي هذه الرواية التي تقول: إن السورة نزلت بكاملها بعد "الفتح" ; فضلا على أن هناك حادثة من حوادث السيرة في غزوة بدر، تقطع بأن الآيات الخاصة بموقف بني إسرئيل مع موسى - عليه السلام - من دخول الأرض المقدسة، كانت معروفة للمسلمين قبل غزوة بدر في السنة الثانية الهجرية. وقد وردت إشارة إليها على لسان سعد بن معاذ الأنصارى - رضي الله عنه - في رواية، وعلى لسان المقداد بن عمرو في رواية، وهو يقول لرسول الله [ ص ]:"إذن والله لا نقول لك يا رسول الله كما قال قوم موسى لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون.. ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما متبعون.. الخ"..
أما المراجعة الموضوعية فتصور الموقف بأنه كانت لليهود - في ذلك الوقت الذي نزلت فيه الآيات الخاصة بهم - قوة ونفوذ وعمل في المدينة، وفي الصف المسلم ; مما اقتضى هذه الحملة لكشف موقفهم وإبطال كيدهم. وهذه القوة وهذا النفوذ كانا قد تضاءلا بعد وقعة بني قريظة، عقب غزوة الخندق، وقد تطهرت الأرض من القبائل الثلاث اليهودية القوية: بني قينقاع، وبني النضير وبني قريظة. فلم يكن لهم بعد الحديبية ما يدعو إلى العناية بشأنهم إلى هذا الحد. ثم لقد كانت فترة المهادنة معهم والخطة السليمة قد انتهت ولم يعد لها موضع بعد الذي بدا منهم. فقول الله تعالى لنبيه الكريم: (ولا تزال تطلع على خائنة منهم - إلا قليلا منهم - فاعف عنهم واصفح..)لا بد سابق على هذه الفترة. وكذلك أمره بالحكم بينهم أو الإعراض عنهم..