والطابع البارز لهذه السورة هو طابع التقرير والحسم في التعبير.. سواء في ذلك الأحكام الشرعية التي تقتضي بطبيعتها التقرير والحسم في القرآن كله ; أو المبادى ء والتوجيهات، التي قد تتخذ في غير هذه السورة صورا أخرى ; ولكنها في هذه السورة تقرر في حسم وصرامة ; في أسلوب التقرير الدقيق، وهو الطابع العام المميز لشخصية السورة.. من بدئها إلى منتهاها.
وقبل أن ننهي هذا التقديم للسورة لا يسعنا إلا أن نبرز الحقيقية التي تتضمنها الآية الثالثة منها.. فإن قول الله سبحانه لهذه الأمة: (اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا).. يتضمن توحيد المصدر الذي تتلقى منه هذه الأمة منهج حياتها ونظام مجتمعها، وشرائع ارتباطاتها ومصالحها إلى يوم القيامة، كما يتضمن استقرار هذا الدين بكل جزئياته الاعتقادية والتعبدية والتشريعية ; فلا تعديل فيها ولا تغيير ; فقد اكتمل هذا الدين وتم وانتهى أمره. وتعديل شيء فيه كإنكاره كله ; لأنه إنكار لما قرره الله من تمامه وكماله ; وهذا الإنكار هو الكفر الذي لا جدال فيه.. أما العدول عنه كله إلى منهج آخر، ونظام آخر، وشريعة أخرى ; فلا يحتاج منا إلى وصف، فقد وصفه الله - سبحانه - في السورة. ولا زيادة بعد وصف الله - سبحانه - لمستزيد..
إن هذه الآية تقرر - بما لا مجال للجدال فيه - أنه دين خالد، وشريعة خالدة. وأن هذه الصورة التي رضيها الله للمسلمين دينا هي الصورة الأخيرة.. إنها شريعة ذلك الزمان وشريعة كل زمان ; وليس لكل زمان شريعة، ولا لكل عصر دين.. إنما هي الرسالة الأخيرة للبشر، قد اكتملت وتمت، ورضيها الله للناس دينا. فمن شاء أن يبدل، أو يحور، أو يغير أو يطور ! إلى آخر هذه التعبيرات التي تلاك في هذا الزمان، فليبتغ غير الإسلام دينا.. (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه).


الصفحة التالية
Icon