لقد كان اليهود هم أول من اصطدم بالدعوة في المدينة ; وكان لهذا الاصطدام أسبابه الكثيرة.. كان لليهود في يثرب مركز ممتاز بسبب أنهم أهل كتاب بين الأميين من العرب - الأوس والخزرج - ومع أن مشركي العرب لم يظهروا ميلا لاعتناق ديانة أهل الكتاب هؤلاء، إلا أنهم كانوا يعدونهم أعلم منهم وأحكم بسبب ما لديهم من كتاب. ثم كان هنالك ظرف موات لليهود فيما بين الأوس والخزرج من فرقة وخصام - وهي البيئة التي يجد اليهود دائما لهم فيها عملا ! - فلما أن جاء الإسلام سلبهم هذه المزايا جميعا.. فلقد جاء بكتاب مصدق لما بين يديه من الكتاب ومهيمن عليه. ثم إنه أزال الفرقة التي كانوا ينفذون من خلالها للدس والكيد وجر المغانم، ووحد الصف الإسلامي الذي ضم الأوس والخزرج، وقد أصبحوا منذ اليوميعرفون بالأنصار، إلى المهاجرين، وألف منهم جميعا ذلك المجتمع المسلم المتضام المتراص الذي لم تعهد له البشرية من قبل ولا من بعد نظيرا على الإطلاق.
ولقد كان اليهود يزعمون أنهم شعب الله المختار، وأن فيهم الرسالة والكتاب. فكانوا يتطلعون أن يكون الرسول الأخير فيهم كما توقعوا دائما. فلما أن جاء من العرب ظلوا يتوقعون أن يعتبرهم خارج نطاق دعوته، وأن يقصر الدعوة على الأميين من العرب ! فلما وجدوه يدعوهم - أول من يدعو - إلى كتاب الله، بحكم أنهم أعرف به من المشركين، وأجدر بالاستجابة له من المشركين.. أخذتهم العزة بالإثم، وعدوا توجيه الدعوة إليهم إهانة واستطالة !
ثم إنهم حسدوا النبي ( ﷺ ) حسدا شديدا. حسدوه مرتين : مرة لأن الله اختاره وأنزل عليه الكتاب - وهم لم يكونوا يشكون في صحته - وحسدوه لما لقيه من نجاح سريع شامل في محيط المدينة.


الصفحة التالية
Icon