وأما حقيقتها فهي جوامع أصلها في ذمر أول من كلام الله تعالى فنزلت إلى الكلم العربية وترجمت بها ونظم منها هذا القرآن العربي المبين، فهي في الكنب العلوية الملكوتية المترتبة في الجمع والتفصيل آية وكلم وذات كتاب، فلما نزلت إلى غاية مفصل القرآن أبقيت في افتتاحه لتكون علما على نقله للتفصيل من ذلك الكتاب، ولأنها أتم وأوجز فغيء الدلالة على الجمع من المفصل منها ودلالتها جامعة للوجود كله من أبطن قيمه إلى أظهره وأظهر مقامه وما بينهما من الوصلة والواصلة وهي جامعة الدلالة على الكون المرئي للعين بالعين والوحي المسموع، ولأجل ما اقتضته من الجمع لم تنزل يفي كتاب متقدم لأن كتا بكل وقت مطابق بحال الكون فيه والكون كان بعد لم يكمل فكانت كتبه وصحفه بحسبه ن ولما كمل الكون في وقت سيدنا محمد ( ﷺ ) كان كتابه كاملا جامعا فوجب ظهور هذه الجوامع فيه ليطابق الختم البدئ، لأنهما طرفا كمال وما بينهما تدرج إليه، وقد كان وعد بإنزالهما في بعض تلك الكتب فكان نزولها نجازا لذلك. أنتهى.
وأما منسبة ما بعد ذلك للفاتحة فهو أنه لما أخبلا سبحانه وتعالى أن عباده المخلصين سألوا في الفاتحة هداية الصراط المستقيم الذي همو غير طرلايق الهالكين أرشدهك في أول التي تليها إلى أن الهدى المؤول إنما هو في هذا الكتاب، وبين لهم صفات الفريقين الممنوحين بالهداية حتى على التخلق بها والممنوعين منها زجرا عن قربها. فكاتن ذلك أعظم المناسبات لعقيب الفاتحة بالبقرة، لأنها سيقت لنفي الريب عن هذا الكتاب ولأنه هدى للمتقين، ولوصف المتقين وما يجازون به بما في الآيات الثلاث ولوصف الكافرين الذين لا يؤمنون لما وقع من الختم على جواسهم والحتم لعقابهم ليعلم أن ما اتصف به المتقون هو الصراط المستقيم فيلزم وما اتصف به من عداهم هو طريق الهالكين فيترك، وفي الوصف بالتقوى بعد ذكر المغضوب عليهم والضالين إشارة إلى أن المقام مقام الخوف.