وقيل في أول السنة الثانية، وقد روى عنها أنها مكثت عنده تسع سنين فتوفي وهي بنت ثمان عشرة سنة وبنى بها وهي بنت تسع سنين، إلا أن اشتمال سورة البقرة على أحكام الحج والعمرة وعلى أحكام القتال من المشركين في الشهر الحرام والبلد الحرام ينبئ بأنها استمر نزولها إلى سنة خمس وسنة ست كما سنبينه عند آية ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [ البقرة : ١٩٦ ] وقد يكون ممتدا إلى ما بعد سنة ثمان كما يقتضيه قوله ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ﴾ [ البقرة : ١٩٧ ] الآيات إلى قوله ﴿لِمَنِ اتَّقَى﴾ [ البقرة : ٢٠٣ ].
على أنه قد قيل إن قوله ﴿وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ﴾ [ البقرة : ٢٨١ ] الآية هو آخر ما نزل من القرآن، وقد بينا في المقدمة الثامنة أنه قد يستمر نزول السورة فتنزل في أثناء مدة نزولها سور أخرى.
وقد عدت سورة البقرة السابعة والثمانين في ترتيب نزول السور نزلت بعد سورة المطففين وقبل آل عمران.
وإذ قد كان نزول هذه السورة في أول عهد بإقامة الجامعة الإسلامية واستقلال أهل الإسلام بمدينتهم كان من أول أغراض هذه السورة تصفية الجامعة الإسلامية من أن تختلط بعناصر مفسدة لما أقام الله لها من الصلاح سعيا لتكوين المدينة الفاضلة النقية من شوائب الدجل والدخل.
وإذ كانت أول سورة نزلت بعد الهجرة فقد عني بها الأنصار وأكبوا على حفظها، يدل لذلك ما جاء في السيرة أنه لما انكشف المسلمون يوم حنين قال النبي ﷺ للعباس :" اصرخ يا معشر الأنصار يا أهل السمرة - يعني شجرة البيعة في الحديبية - يا أهل سورة البقرة " فقال الأنصار : لبيك لبيك يا رسول الله أبشر.
وفي الموطأ قال مالك إنه بلغه أن عبد الله بن عمر مكث على سورة البقرة ثماني سنين يتعلمها، وفي صحيح البخاري : كان نصراني أسلم فقرأ البقرة وآل عمران وكان يكتب للنبي ﷺ ثم ارتد إلى آخر القصة.