وقصة ذلك في اختصار : أن النبي ( ﷺ ) التقى قبل الهجرة إلى يثرب بسنتين بجماعة من الخزرج في موسم الحج، حيث كان يعرض نفسه ودعوته على الوافدين للحج ; ويطلب حاميا يحميه حتى يبلغ دعوة ربه. وكان سكان يثرب من العرب - الأوس والخزرج - يسمعون من اليهود المقيمين معهم، أن هنالك نبيا قد أطل زمانه ; وكانت يهود تستفتح به على العرب، أي تطلب أن يفتح لهم على يديه، وأن يكون معهم على كل من عداهم. فلما سمع وفد الخزرج دعوة النبي ( ﷺ ) قال بعضهم لبعض : تعلمن والله إنه للنبي الذي توعدكم به يهود، فلا تسبقنكم إليه.. وأجابوه لما دعاهم. وقالوا له : إننا قد تركنا قومنا ولا قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم. فعسى الله أن يجمعهم بك.. ولما عادوا إلى قومهم، وعرضوا الأمر عليهم، ارتاحوا له، ووافقوا عليه.
فلما كان العام التالي وافى الموسم جماعة من الأوس والخزرج، فالتقوا بالنبي ( ﷺ ) وبايعوه على الإسلام. وقد أرسل معهم من يعلمهم أمر دينهم.
وفي الموسم التالي وفد عليه جماعة كبيرة من الأوس والخزرج كذلك، فطلبوا أن يبايعوه، وتمت البيعة بحضور العباس عم النبي ( ﷺ ) على أن يمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم وأموالهم. وتسمى هذه البيعة الثانية بيعة العقبة الكبرى.. ومما وردت به الروايات في هذه البيعة ما قاله محمد بن كعب القرظي : قال عبد الله بن رواحة - رضي الله عنه - لرسول الله ( ﷺ ) يعني ليلة العقبة : اشترط لربك ولنفسك ما شئت. فقال :" اشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا ; واشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم ". قال : فما لنا إذا فعلنا ذلك ؟ قال :" الجنة ". قالوا : ربح البيع ولا نقيل ولا نستقبل !