ولما كان كل واحدة من هذه قد تدرك حية فتذكى، استثنى فقال :﴿إلا ما ذكيتم﴾ أي من ذلك كله بأن أدركتموه وفيه حياة مستقرة، بأن اشتد اضطرابه وانفجر منه الدم ؛ ولما حرم الميتات وعد في جملتها ما ذكر عليه اسم غير الله عبادة، ذكر ما ذبح على الحجارة التي كانوا ينصبونها للذبح عندها تديناً وإن لم يذكر اسم شيء عليها فقال :﴿ما ذبح على النصب﴾ وهو واحد الأنصاب، وهي حجارة كانت حول الكعبة تنصب، فيهل عليها ويذبح عندها تقرباً إليها وتعظيماً لها ﴿وأن تستقسموا﴾ أي تطلبوا على ما قسم لكم ﴿بالأزلام﴾ أي القداح التي لا ريش لها ولا نصل، واحدها بوزن قلم وعمر وكانت ثلاثة، على واحد : أمرني ربي، وعلى آخر : نهاني ربي، والآخر غفل، فإن خرج الآمر فعل، أو الناهي ترك، أو الغفل أجيلت ثانية، فهو دخول في علم الغيب وافتراء على الله بادعاء أمره ونهيه، وإن أراد المنسوب إلى الصنم فهو الكفر الصريح وقال صاحب كتاب الزينة : يقال : إنه كانت عندهم سبعة قداح مستوية من شوحط، وكانت بيد السادن، مكتوب عليها " نعم " " لا " " منكم " " من غيركم " " ملصق " " العقل " " فضل العقل " فكانوا إذا اختلفوا في نسب الرجل جاؤوا إلى السادن بمائة درهم، ثم قالوا للصنم : يا إلهنا! قد تمارينا في نسب فلان، فأخرج علينا الحق فيه، فتجال القداح فإن خرج القدح الذي عليه " منكم " كان أوسطهم نسباً، وإن خرج الذي عليه " من غيركم " كان حليفاً وإن خرج " ملصق " كان على منزلته لا نسب له ولا حلف، وإذا أرادوا سفراً أو حاجة جاؤوا بمائة فقالوا : يا إلهنا! أردنا كذا، فإن خرج " نعم " فعلوا، وإن خرج " لا " لم يفعلوا، وإن جنى أحدهم جناية، فاختلفوا فيمن يحمل العقل جاؤوا بمائة فقالوا : يا إلهنا! فلان جنى عليه، أخرج الحق، فإن خرج القدح الذي عليه " العقل " لزم من ضرب عليه وبرىء الآخرون، وإن خرج غيره كان على الآخرين العقل، وكانوا إذا عقلوا العقل