وأبي مسلم هي ما أذن سبحانه في أكله من المأكولات والذبائح والصيحد، وقيل : ما لم يرد بتحريمه نص أو قياس، ويدخل في ذلك الإجماع إذ لا بد من استناده لنص وإن لم نقف عليه، والطيب على هذين القولين بمعنى الحلال، وعلى الأول بمعنى المستلذ، وقد جاء بالمعنيين. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٦ صـ ﴾
وقال ابن عاشور :
﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطيبات ﴾.
إن كان الناس قد سألوا عمّا أحِلّ لهم من المطعومات بعد أن سمعوا ما حرّم عليهم في الآية السابقة، أو قبل أن يسمعوا ذلك، وأريد جوابهم عن سؤالهم الآن، فالمضارع مستعمل للدلالة على تجدّد السؤال، أي تكرّره أو توقّع تكرّره.
وعليه فوجه فصل جملة ﴿ يسألونك ﴾ أنّها استئناف بيانيّ ناشىء عن جملة ﴿ حرّمت عليكم الميتة ﴾ [ المائدة : ٣ ] وقوله :﴿ فمن اضطرّ في مخمصة ﴾ [ المائدة : ٣ ] ؛ أو هي استئناف ابتدائي : للانتقال من بيان المحرّمات إلى بيان الحلال بالذات، وإن كان السؤال لم يقع، وإنَّما قصد به توقّع السؤال، كأنَّه قيل : إن سَألوكَ، فالإتيان بالمضارع بمعنى الاستقبال لتوقّع أن يسأل الناس عن ضبط الحلال، لأنَّه ممّا تتوجَّه النفوس إلى الإحاطة به، وإلى معرفة ما عسى أن يكون قد حرّم عليهم من غير ما عُدّد لهم في الآيات السابقة، وقد بيّنّا في مواضع ممّا تقدّم، منها قوله تعالى :﴿ يسألونك عن الأهلّة ﴾ في سورة البقرة ( ١٨٩ ) : أنّ صيغة يسألونك } في القرآن تحتمل الأمرين.
فعلى الوجه الأوّل يكون الجواب قد حصل ببيان المحرّمات أوّلاً ثم ببيان الحلال، أو ببيان الحلال فقط، إذا كان بيان المحرّمات سابقاً على السؤال، وعلى الوجه الثاني قد قصد الاهتمام ببيان الحلال بوجه جامع، فعنون الاهتمام به بإيراده بصيغة السؤال المناسب لتقدّم ذكره.