والكلام على الطيّبات تقدّم آنفاً، فأعيدَ ليُبنى عليه قوله :﴿ وطعام الذين أتوا الكتاب ﴾.
وعطفُ جملة ﴿ وطعام الذين أوتوا الكتاب حلّ لكم ﴾ على جملة ﴿ اليومَ أحلّ لكم الطيّبات ﴾ لأجل ما في هذه الرخصة من المنّة لكثرة مخالطة المسلمين أهل الكتاب فلو حرّم الله عليهم طعامهم لشقّ ذلك عليهم.
والطعام في كلام العرب ما يطعَمه المرء ويأكله، وإضافته إلى أهل الكتاب للملابسة، أي ما يعالجه أهل الكتاب بطبخ أو ذبح.
قال ابن عطية : الطعام الذي لا محاولة فيه كالبُرّ والفاكهة ونحوهما لا يغيّره تملّك أحد له، والطعام الذي تقَع فيه محاولة صنعته لا تعلّق للدين بها كخَبز الدقيق وعصر الزيت.
فهذا إن تُجنِّبَ من الذميّ فعلى جهة التقذّر.
والتذكية هي المحتاجة إلى الدّين والنية، فلمَّا كان القياس أن لا تجوز ذبائحهم رخص الله فيها على هذه الأمّة وأخرجها عن القياس.
وأراد بالقياس قياس أحوال ذبائحهم على أحوالهم المخالفة لأحوالنا، ولهذا قال كثير من العلماء : أراد الله هنا بالطعام الذبائح، مع اتّفاقهم على أنّ غيرها من الطعام مباح، ولكن هؤلاء قالوا : إنّ غير الذبائح ليس مراداً، أي لأنّه ليس موضع تردّد في إباحة أكله.
والأولى حمل الآية على عمومها فتشمل كلّ طعام قد يظن أنَّه محرّم علينا إذ تدخله صنعتهم، وهم لا يتَوَقَّوْنَ ما نتوقّى، وتدخله ذكاتهم وهم لا يشترطون فيها ما نشترطه.
ودخل في طعامهم صيدهم على الأرجح.


الصفحة التالية
Icon