ومن فوائد أبى حيان فى الآية
قال رحمه الله :
﴿ يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق ﴾
نزلت في قصة عائشة رضي الله عنها حين فقدت العقد بسبب فقد الماء ومشروعية التيمم، وكان الوضوء متعذراً عندهم، وإنما جيء به للاستطراد منه إلى التيمم، وذلك في غزوة المريسيع وهي غزوة بني المصطلق، وفيها كان هبوب الريح وقول عبد الله بن أبي بن سلول : لئن رجعنا إلى المدينة وحديث الافك.
وقال علقمة بن الفغو وهو من الصحابة : إنها نزلت رخصة للرسول لأنه كان لا يعمل عملاً إلا على وضوء، ولا يكلم أحداً ولا يرد سلاماً على غير ذلك، فأعلمه الله أنّ الوضوء إنما هو عند القيام إلى الصلاة فقط دون سائر الأعمال.
ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنه لما افتتح بالأمر بإيفاء العهود، وذكر تحليلاً وتحريماً في المطعم والمنكح واستقصى ذلك، وكان المطعم آكد من المنكح وقدمه عليه، وكان النوعان من لذات الدنيا الجسمية ومهماتها للإنسان وهي معاملات دنيوية بين الناس بعضهم من بعض، استطرد منها إلى المعاملات الأخروية التي هي بين العبد وربه سبحانه وتعالى، ولما كان أفضل الطاعات بعد الإيمان الصلاة، والصلاة لا تمكن إلا بالطهارة، بدأ بالطهارة وشرائط الوضوء، وذكر البدل عنه عند تعذر الماء.
ولما كانت محاولة الصلاة في الأغلب إنما هي بقيام، جاءت العبارة : إذا قمتم أي : إذا أردتم القيام إلى فعل الصلاة.
وعبر عن إرادة القيام بالقيام، إذ القيام متسبب عن الإرادة، كما عبروا عن القدرة على الفعل بالفعل في قولهم : الأعمى لا يبصر أي لا يقدر على الأبصار، وقوله :﴿ نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين ﴾ أي قادرين على الإعادة.
وقوله :﴿ فإذا قرأت القرآن فاستعذ ﴾ أي إذا أردت قراءة القرآن لما كان الفعل متسبباً عن القدرة والإرادة أقيم المسبب مقام السبب.


الصفحة التالية
Icon