وقد تقدّم لنا في تفسير قوله تعالى :﴿ يا أيّها الّذين آمنوا لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى ﴾ في سورة النّساء ( ٤٣ ) الخلاف في أنّ الآية الّتي نزل فيها شرع التيمّم أهي آية سورة النّساء، أم آية سورة المائدة.
وذكرنا هنالك أنّ حديث الموطأ } من رواية مالك عن عبد الرحمان بن القاسم عن أبيه عن عائشة ليس فيه تعيين الآية ولكن سَمّاها آية التيمّم، وأنّ القرطبي اختار أنّها آية النّساء لأنّها المعروفة بآية التيمّم، وكذلك اختار الواحدي في "أسباب النّزول"، وذكرنا أنّ صريح رواية عمرو بن حُريث عن عائشة : أنّ الآية الّتي نزلت في غزوة المريسيع هي قوله تعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة ﴾ الآية، كما أخرجه البخاري عن يحيى عن ابن وهب عن عمرو بن حريث عن عبد الرحمن بن القاسم، ولا يساعد مختارنا في تاريخ نزول سورة المائدة، فإن لم يكن ما في حديث البخاري سهواً من أحد رواتِه غير عبدِ الرحمن بن القاسم وأبِيهِ، أراد أن يذكر آية ﴿ يا أيّها الّذين آمنوا لا تقربوا الصّلاة وأنتُم سكارى حتّى تعلموا ما تقولون ولا جُنباً إلاّ عابري سبيل حتّى تغتسلوا ﴾، وهي آية النّساء ( ٤٣ )، فذكر آية يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم } الآية.
فتعيّن تأويله حينئذ بأن تكون آية ﴿ يا أيّها الّذين آمنوا إذا قمتم إلى الصّلاة ﴾ قد نزلت قبل نزول سورة المائدة، ثُمّ أعيد نزولها في سورة المائدة، أو أمر الله أن توضع في هذا الموضع من سورة المائدة، والأرجح عندي : أن يكون ما في حديث البخاري وهماً من بعض رواته لأنّ بين الآيتين مشابهة.
فالأظهر أنّ هذه الآية أريد منها تأكيد شرع الوضوء وشرع التيمّم خلفاً عن الوضوء بنصّ القرآن ؛ لأنّ ذلك لم يسبق نزول قرآنٍ فيه ولكنّه كان مشروعاً بالسنّة.
ولا شكّ أنّ الوضوء كان مشروعاً من قبل ذلك، فقد ثبت أنّ النّبيء ﷺ لم يصلّ صلاة إلاّ بوضوء.