وروى سليمان بن بريد عن أبيه " أن رسول اللّه ﷺ كان يتوضأ لكل صلاة، فلما كان يوم فتح مكّة صلّى الصلوات الخمس كلها بوضوء واحد، فقال عمر ( رضي الله عنه ) : إنك تفعل شيئاً لم تكن تفعله قال :" عمداً فعلته يا عمر ".
وقال بعضهم : هذا إعلام من اللّه تعالى لرسوله ﷺ أن لا وضوء عليه إلاّ إذا قام إلى صلاته دون غيرها من الأعمال.
وذلك إنه إذا كان أحدث امتنع من الأعمال كلها حتّى يتوضأ فأذن اللّه عز وجل بهذه الآية أن يفعل كل ما بدا له من الأفعال بعد الحدث غير الصلاة.
وروى عبد اللّه بن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن عبد اللّه بن علقمة بن وقاص عن أبيه قال :" كان رسول اللّه ﷺ إذا أراق البول نكلمه فلا يكلمنا ونسلم عليه فلا يرد علينا حتى يأتي منزله فيتوضأ لوضوء الصلاة حتّى نزلت آية الرخصة ﴿ يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصلاة فاغسلوا وُجُوهَكُمْ ﴾ ". أ هـ ﴿الكشف والبيان حـ ٤ صـ ﴾
وقال ابن عاشور :
ومعنى ﴿ إذا قمتم إلى الصّلاة ﴾ إذا عزمْتم على الصّلاة، لأنّ القيام يطلق في كلام العرب بمعنى الشروع في الفعل، قال الشاعر:
فقام يذود النّاس عنها بسيفه...
وقال ألا لا من سبيل إلى هند
وعلى العزم على الفعل، قال النابغة:
قاموا فقالوا حمانا غيرُ مقروب...
أي عزموا رأيهم فقالوا.
والقيام هنا كذلك بقرينة تعديته بـ ( إلى ) لتضمينه معنى عمدتم إلى أن تصلّوا.
وروى مالك في "الموطّأ" عن زيد بن أسلم أنّه فسّر القيام بمعنى الهبوب من النوم، وهو مروي عن السديُّ.
فهذه وجوه الأقوال في تفسير معنى القيام في هذه الآية، وكلّها تَؤُول إلى أنّ إيجاب الطهارة لأجل أداء الصّلاة.


الصفحة التالية