وحكى ابن المنذر عن إسحاق أن من تَركَ تخليل لحيته عَامِداً أعاد.
ورَوى الترمذيّ عن عثمان بن عَفّان أن النبي ﷺ كان يخلّل لحيته ؛ قال : هذا حديث حسن صحيح ؛ قال أبو عمر : ومن لم يوجب غسل ما انسدل من اللحية ذهب إلى أن الأصل المأمور بغسله البشَرَة، فوجب غسل ما ظهر فوق البَشَرة، وما انسدل من اللحية ليس تحته ما يلزم غَسْله، فيكون غَسْل اللحية بدلاً منه.
واختلفوا أيضاً في غَسْل ما وراء العِذار إلى الأذن ؛ فَروى ابن وَهْب عن مالك قال : ليس ما خَلْف الصُّدْغ الذي من وراء شعر اللحية إلى الذقن من الوجه.
قال أبو عمر : لا أعلم أحداً من فقهاء الأمصار قال بما رواه ابن وَهْب عن مالك.
وقال أبو حنيفة وأصحابه : البياض بين العِذار والأذن من الوجه، وغَسْله واجب ؛ ونحوه قال الشافعي وأحمد.
وقيل : يغسل البياض استحبابا ؛ قال ابن العربي : والصحيح عندي أنه لا يلزم غَسْله إلا للأمرد لا للمُعَذِّر.
قلت : وهو اختيار القاضي عبد الوهاب ؛ وسبب الخلاف هل تقع عليه المواجهة أم لا؟ والله أعلم.
وبسبب هذا الاحتمال اختلفوا هل يتناول الأمر بغسل الوجه باطن الأنف والفم أم لا؟ فذهب أحمد بن حنبل وإسحاق وغيرهما إلى وجوب ذلك في الوضوء والغُسل، إلا أن أحمد قال : يُعيد من تَرَك الاستنشاق في وضوئه ولا يعيد من ترك المضمضة.
وقال عامّة الفقهاء : هما سنَّتان في الوضوء والغُسل ؛ لأن الأمر إنما يتناول الظاهر دون الباطن، والعرب لا تُسَمِّي وجهاً إلا ما وقعت به المواجهة، ثم إن الله تعالى لم يذكرهما في كتابه، ولا أوجبهما المسلمون، ولا اتفق الجميع عليه ؛ والفرائض لا تثبت إلا من هذه الوجوه.
وقد مضى هذا المعنى في "النساء".


الصفحة التالية
Icon