ولما كان التقدير : على الله وحده في كل حالة فتوكلوا، فإنه جدير بنصر من انقطع إليه ولم يعتمد إلا عليه، عطف على ذلك قوله تعميماً وتعليقاً للحكم بالوصف :﴿وعلى الله﴾ أي وحده لكونه لا مثل له ﴿فليتوكل المؤمنون﴾ أي في كل وقت فإنه يمنعهم إذا شاء كهذا المنع وإن اشتد الخطب وتعاظم الأمر، فتوكلوا ولا تنكلوا عن أعدائكم الذين وعدكم الله أرضهم وديارهم وأبناءهم وتهابوا جموعهم كما هاب بنو إسرائيل - كما سيقص عليكم، وقوله هنا ﴿المؤمنون﴾ وفي قصة بني إسرائيل ﴿إن كنتم مؤمنين﴾ شديد التآخي، معلم بمقامي الفريقين، وحينئذ حسن كل الحسن تعقيبها مع ما تقدم من أمر العقبة وأمر بني النضير في نقضهم عهدهم وغدرهم، بما هموا به من قتل النبي ﷺ بإلقاء الرحى عليه من سطح البيت الذي أجلسوه إلى جانبه، بقوله إشارة إلى أن اليهود ما زالوا على النقض قديماً، تحذيراً للمؤمنين من أن يكونوا مثلهم في النقض لئلا يحل بهم ما حل بهم من الصغار، وإعلاماً بأن عادته سبحانه في الإلزام بالتكاليف قديمة غير مخصوصة بهم، بل هي عامة لعباده وقد كلف أهل الكتاب، تشريفاً لهم بمثل ما كلفهم به، ورغبهم ورهبهم ليسابقوهم في الطاعة، فإن الأمر إذا عم هان، والإنسان إذا سابق اجتهد في أخذ الرهان، وأكد الخبر بذلك لئلا يظن لشدة انهماكهم في النفس أنه لم يسبق لهم عهد قبل ذلك فقال تعالى :﴿ولقد أخذ الله﴾ أي بما له من جميع الجلال والعظمة والكمال ﴿ميثاق بني إسرائيل﴾. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٤٠٩ ـ ٤١١﴾

فصل


قال الفخر :
في سبب نزول هذه الآية وجهان :


الصفحة التالية
Icon