تيسير ما وكله فيه، فلو كان الذي يحصل للمتوكل على الله، يحصل وإن توكل على غيره، ويحصل بلا توكّل، لكان اتخاذ بعض المخلوقين وكيلاً أنفع من اتخاذ الخالق وكيلاً. وهذا من أقبح لوازم هذا القول الفاسد. لأن التوكل على الخلق يشهد نفعه. وقال تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [ الأنفال : ٦٤ ] أي : الله كافيك وكافي مَن اتبعك من المؤمنين. فلو كانت كفايته للمؤمنين المتبعين للرسول -سواء اتبعوه أو لم يتبعوه -لم يكن للإيمان وإتباع الرسول أثر في هذه الكفاية. ولا كان لتخصيصهم بذلك معنى. وكان هذا نظير أن يقال : هو خالقك وخالق من اتبعك. ومعلوم أنّ المراد خلاف ذلك. وإذا كان الحسب معنى يختص بعضَ الناس، علم أن قول المتوكل :( حَسْبِيَ اللهُ ) وقوله :﴿ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ أمر مختص لا مشترك. وأن التوكل سبب ذلك الاختصاص، والله تعالى إذا وعد على العمل بوعدٍ أو خصّ أهله بكرامة، فلا بدّ أن يكون بين وجود ذلك العمل وعدمه فرق في حصول تلك الكرامة. وإن كان قد يحصل نظيرها بسبب آخر. فقد يكفي الله بعض من لم يتوكل عليه كالأطفال. لكن لا بد أن يكون للمتوكل أثر في حصول الكفاية الحاصلة للمتوكلين، فلا يكون ما يحصل من الكفاية بالتوكل حاصلاً، وإن عدم التوكل. وقد قال تعالى :﴿ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾ [ آل عِمْرَان : ١٧٣ - ١٧٤ ]، فعقب هذا الجزاء والحكم لذلك الوصف والعمل، بحرف ( الفاء ) وهي تفيد السبب، فدل ذلك على أن ذلك التوكل هو سبب هذا الانقلاب بنعمة من الله وفضل. وأن هذا الجزاء جزاء على ذلك العمل. وفي الأثر : من سرّه أن يكون أقوى الناس فليتوكل على