عنها النبي ﷺ لما قال : ما منكم من أحد إلاّ وقد علم مقعده من الجنة والنار قالوا : أفلا ندع العمل ونتكل على الكتاب ؟ فقال : لا ! اعملوا، فكل ميسّر لما خلق له. أما من كان من أهل السعادة فسييّسر لعمل أهل السعادة، وأما من كان من أهل الشقاء فسييسّر لعمل أهل الشقاء. وهذا المعنى قد ثبت عن النبي ﷺ في " الصحيح " في مواضع تبيّن أن ما سبق به الكتاب سبق بالأسباب التي تفضي إليه، فالسعادة سبقت بأن صاحبها يستعمل فيها يصير به سعيداً، والشقاء سبقت بأن صاحبها يستعمل فيما يصير به شقيّاً. فالقدر تضمن الغاية وسببها. لم يتضمن غايةً بلا سبب. كما تضمن أن هذا يولد له بأن يتزوج ويطأ المرأة، وهذا تُنْبِت أرضه بأن يزرع ويسقي الزرع. وأمثال ذلك. وكذلك في " السنن " أنه قيل له : يا رسول الله ! أرأيت أدويةً نتداوى بها، ورقيّ تسترقي بها، وتقاةً نتقيها، هل ترد من قدر الله شيئاً ؟ فقال :< هي من قدر الله >. فبيّن أن الأسباب التي تُدفع بها المكاره هي من القدر، ليس القدر مجرّد دفع المكروه بلا سبب. وكذلك قول من قال :( إن الدعاء لا يؤثر شيئاً والتوكل لا يؤثر شيئاً ) هو من هذا الجنس، لكن إنكار ما أمر به من الأعمال أمر ظاهر، بخلاف تأثير التوكل. لكن الأصل واحد. وهو النظر إلى المقدور مجرداً عن أسبابه ولوازمه. ومن هذا الباب :( أن المقتول يموت بأجله ) عند عامة المسلمين. إلاّ فرقة من القدرية قالوا : إن القاتل قطع أجله. ثم تكلم الجمهور : لو لم يقتل ؟ قال بعضهم : كان يموت لأن الأجل قد فرغ، وقال بعضهم : لا يموت لانتفاء السبب. وكلا القولين قد قال به من ينسب إلى السنة، وكلاهما خطأ. فإن القدر سبق بأنه يموت بهذا السبب لا بغيره. فإذا قدر انتفاء هذا السبب كان فرض خلاف ما في المقدور، ولو كان المقدور أنه لا يموت بهذا السبب، أمكن أن يكون المقدور أنه يموت بغيره،