وقال ابن عاشور :
﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾
عطف على جملة ﴿ ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ﴾ [ المائدة : ٦ ] الآية الواقعة تذييلاً لقوله :﴿ يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة ﴾ [ المائدة : ٦ ] الآية.
والكلام مرتبط بما افتتحت به السورة من قوله :﴿ أوفوا بالعقود ﴾ لأنّ في التذكير بالنعمة تعريضاً بالحثّ على الوفاء.
ذكّرهم بنعم مضت تذكيراً يقصد منه الحثّ على الشكر وعلى الوفاء بالعهود، والمراد من النّعمة جنسها لا نعمة معيّنة، وهي ما في الإسلام من العزّ والتمكين في الأرض وذهاب أحوال الجاهلية وصلاح أحوال الأمّة.
والميثاق : العهد، وواثق : عاهد.
وأطلق فعل وَاثق على معنى الميثاق الّذي أعطاه المسلمون، وعلى وعد الله لهم ما وعدهم على الوفاء بعهدهم.
ففي صيغة ﴿ واثقكم ﴾ استعمال اللّفظ في حقيقته ومجازه.
و﴿ إذ ﴾ اسم زمان عُرّف هنا بالإضافة إلى قول معلوم عند المخاطبين.
والمسلمون عاهدوا الله في زمن الرّسول ﷺ عدّة عهود : أوّلها عهد الإسلام كما تقدّم في صدر هذه السورة.
ومنها عهد المسلمين عندما يلاقون الرّسول عليه الصلاة والسلام وهو البيعة أن لا يشركوا بالله شيئاً ولا يسرقوا ولا يزنوا ولا يقتلوا أولادهم ولا يأتوا ببهتان يفترونه بين أيديهم وأرجلهم ولا يعصونه في معروف، وهو عين العهد الذي ذكره القرآن في سورة الممتحنة عند ذكر بيعة النساء المؤمنات، كما ورد في الصّحيح أنّه كان يبايع المؤمنين على مثل ذلك، ومنها بيعة الأنصار رسول الله ﷺ في موسم الحجّ سنة ثلاث عشرة من البعثة قبل الهجرة.
وكانوا ثلاثة وسبعين رجلاً التقَوا برسول الله بعد الموسم في العقبة ومعهم العبّاس بن عبد المطلب، فبايعوا على أن يمنعوا رسول الله كما يمنعون نساءهم وأبناءهم، وعلى أنّهم يأوونه إذا هاجر إليهم.
وقد تقدّم هذه البيعةَ بيعتان إحداهما سنة إحدى عشرة من البعثة، بايعة نَفَر من الخزرج في موسم الحجّ.
والثّانية سنة اثنتي عشرة من البعثة، بايع اثنا عشر رجلاً من الخزرج في موسم الحجّ بالعقبة ليبلّغوا الإسلام إلى قومهم.


الصفحة التالية