فصل
قال ابن كثير :
وقوله :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ ﴾ أي : كونوا قوامين بالحق لله، عز وجل، لا لأجل الناس والسمعة، وكونوا ﴿ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ﴾ أي : بالعدل لا بالجور. وقد ثبت في الصحيحين، عن النعمان بن بشير أنه قال : نحلني أبي نَحْلا فقالت أمي عمرة بنت رواحة : لا أرضى حتى تُشْهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فجاءه ليشهده على صدقتي فقال :"أكل ولدك نحلت مثله ؟" قال : لا. قال :"اتقوا الله، واعدلوا في أولادكم". وقال :"إني لا أشهد على جَوْر". قال : فرجع أبي فرد تلك الصدقة. (١)
وقوله :﴿ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا ﴾ أي : لا يحملنكم بُغْض قوم على ترك العدل فيهم، بل استعملوا العدل في كل أحد، صديقا كان أو عدوًا ؛ ولهذا قال :﴿ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾ أي : عَدْلُكم أقرب إلى التقوى من تركه. ودل الفعل على المصدر الذي عاد الضمير عليه، كما في نظائره من القرآن وغيره، كما في قوله :﴿ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ ﴾ [ النور : ٢٨ ]
وقوله :﴿ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾ من باب استعمال أفعل التفضيل في المحل الذي ليس في الجانب الآخر منه شيء، كما في قوله [تعالى] ﴿ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلا ﴾ [ الفرقان : ٢٤ ] وكقول بعض الصحابيات لعمر : أنت أفَظُّ وأغلظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
_______
(١) صحيح البخاري برقم (٢٥٨٦) وصحيح مسلم برقم (١٦٢٣).