قوله ﴿واذكروا نِعْمَتَ الله﴾ مشعر بسبق النسيان، فكيف يعقل نسيانها مع أنها متواترة متوالية علينا في جميع الساعات والأوقات، إلاّ أن الجواب عنه أنها لكثرتها وتعاقبها صارت كالأمر المعتاد، فصارت غلبة ظهورها وكثرتها سبباً لوقوعها في محل النسيان، ولهذا المعنى قال المحققون : إنه تعالى إنما كان باطناً لكونه ظاهراً، وهو المراد من قولهم : سبحان من احتجب عن العقول بشدة ظهوره، واختفى عنها بكمال نوره.
السبب الثاني : من الأسباب التي توجب عليهم كونهم منقادين لتكاليف الله تعالى هو الميثاق الذي واثقهم به، والمواثقة المعاهدة التي قد أحكمت بالعقد على نفسه، وهذه الآية مشابهة لقوله في أول السورة ﴿يَا أَيُّهَا الذين ءامَنُواْ أَوْفُواْ بالعقود﴾ [ المائدة : ١ ]
وللمفسرين في تفسير هذا الميثاق وجوه :
الأول : أن المراد هو المواثيق التي جرت بين رسول الله ﷺ وبينهم في أن يكونوا على السمع والطاعة في المحبوب والمكروه، مثل مبايعته مع الأنصار في أول الأمر ومبايعته عامة المؤمنين تحت الشجرة وغيرهما، ثم إنه تعالى أضاف الميثاق الصادر عن الرسول إلى نفسه كما قال :﴿إِنَّ الذين يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله﴾ [ الفتح : ١٠ ] وقال :﴿مَّنْ يُطِعِ الرسول فَقَدْ أَطَاعَ الله﴾ [ النساء : ٨٠ ] ثم إنه تعالى أكد ذلك بأن ذكرهم أنهم التزموا ذلك وقبلوا تلك التكاليف وقالوا سمعنا وأطعنا، ثم حذرهم من نقض تلك العهود والمواثيق فقال :﴿واتقوا الله إِنَّ الله عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور﴾ يعني لا تنقضوا تلك العهود ولا تعزموا بقلوبكم على نقضها، فإنه إن خطر ذلك ببالكم فالله يعلم بذلك وكفى به مجازياً.