قال قَتَادة رحمه الله وغيره : هؤلاء النقباء قوم كبار من كل سِبْط، تكفّل كل واحد بسِبْطه بأن يؤمنوا ويتقوا الله ؛ ونحو هذا كان النّقباء ليلة العَقَبة ؛ بايع فيها سبعون رجلاً وامرأتان، فاختار رسول الله ﷺ من السبعين اثني عشر رجلاً، وسماهم النُّقباء اقتداء بموسى صلى الله عليه وسلم.
وقال الرّبيع والسُّدي وغيرهما : إنما بعث النّقباء من بني إسرائيل أمناء على الاطلاع على الجبَّارين والسَّبْر لقوّتهم ومنعتهم ؛ فساروا ليختبروا حال من بها، ويُعلِموه بما اطلعوا عليه فيها حتى ينظر في الغزو إليهم ؛ فاطلعوا من الجبّارين على قوّة عظيمة على ما يأتي وظنوا أنهم لا قبل لهم بها ؛ فتعاقدوا بينهم على أن يُخفوا ذلك عن بني إسرائيل، وأن يُعلموا به موسى عليه السلام، فلما انصرفوا إلى بني إسرائيل خان منهم عشرة فعرّفوا قراباتهم، ومن وثقوه على سرهم ؛ ففشا الخبر حتى اعوج أمر بني إسرائيل فقالوا :﴿ فاذهب أَنتَ وَرَبُّكَ فقاتلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ﴾. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٦ صـ ﴾
قال ابن عاشور :
ناسب ذكرُ ميثاق بني إسرائيل عقب ذكر ميثاق المسلمين من قوله :﴿ وميثاقه الّذي واثقكم به ﴾ [ المائدة : ٧ ] تحذيراً من أن يكون ميثاقنا كميثاقهم.
ومحلّ الموعظة هو قوله :﴿ فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل ﴾.
وهكذا شأن القرآن في التفنّن ومجيء الإرشاد في قالب القصص، والتنقّل من أسلوب إلى إسلوب.
وتأكيد الخبر الفعلي بقَد وباللام للاهتمام به، كما يجيء التأكيد بإنّ للاهتمام وليس ثَمّ متردّد ولا مُنزّل منزلتَه.
وذكر مواثيق بني إسرائيل تقدّم في سورة البقرة.
والبعث أصله التوجيه والإرسال، ويطلق مجازاً على الإقامة والإنهاض كقوله :﴿ مَنْ بعثنا من مرقَدنا ﴾ [ يس : ٥٢ ]، وقوله :﴿ فهذا يوم البعث ﴾ [ الروم : ٥٦ ].