وقوله :" يخلق ما يشاء وهو على كل شئ قدير " في مقام التعليل للجملة السابقة عليه أعنى قوله :" ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما " فإن الملك - بضم الميم - وهو نوع سلطنة ومالكية على سلطنة الناس وما يملكونه إنما يتقوم بشمول القدرة ونفوذ المشيئة، ولله سبحانه ذلك في جميع السماوات والأرض وما بينهما، فله القدرة على كل شئ وهو يخلق ما يشاء من الأشياء فله الملك المطلق في السماوات والأرض وما بينهما فخلقه ما يشاء وقدرته على كل شئ هو البرهان على ملكه كما أن ملكه هو البرهان على أن له أن يريد إهلاك الجميع ثم يمضى إرادته لو أراد، وهو البرهان على أنه لا يشاركه أحد منهم في ألوهيته.
وأما البرهان على نفوذ مشيته وشمول قدرته فهو أنه الله عز اسمه، ولعله لذلك كرر لفظ الجلالة في الآية مرات فقد آل فرض الألوهية في شئ إلى أنه لا شريك له في ألوهيته. أ هـ ﴿الميزان حـ ٥ صـ ٢٤٧ ـ ٢٤٨﴾
وقال صاحب الأمثل:
﴿ لقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِى الاأرْضِ جَمِيعاً وَللهِ مُلْكُ السَّمَوَتِ وَالاأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَىْء قَدِيرٌ (١٧) ﴾
كيف يمكن للمسيح أن يكون هو الله؟!
جاءت هذه الآية الكريمة لتكمل بحثاً تطرقت إِليه آيات سابقة، فحملت بعنف على دعوى ربوبية المسيح(عليه السلام)، وبيّنت أنّ هذه الدعوى ما هي إِلاّ الكفر الصريح، حيث قالت: (لقد كفر الذين قالوا إِنّ الله هو المسيح ابن مريم...).
ولكي يتّضح لنا مفهوم هذه الجملة، يجب أن نعرف أنّ للمسيحيين عدّة دعاوي باطلة بالنسبة إِلى الله سبحانه وتعالى.


الصفحة التالية
Icon