﴿ وَسَوْفَ يُنَبّئُهُمُ الله بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ ﴾ في الدنيا من نقض الميثاق ونسيان الحظ الوافر مما ذكروا به، والكلام مساق للوعيد الشديد بالجزاء والعقاب ؛ فالإنباء مجاز عن وقوع ذلك وانكشافه لهم، لا أن ثمت أخباراً حقيقة، والنكتة في التعبير بالإنباء الإنباء بأنهم لا يعلمون حقيقة ما يعملونه من الأعمال السيئة واستتباعها للعذاب، فيكون ترتيب العذاب عليها في إفادة العلم بحقيقة حالها بمنزلة الإخبار بها، والالتفات إلى ذكر الاسم الجليل لما مرّ مراراً، والتعبير عن العمل بالصنع للإيذان برسوخهم فيه و﴿ سَوْفَ ﴾ لتأكيد الوعيد. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٦ صـ ﴾
وقال ابن عاشور :
ذكر بعد ميثاق اليهود ميثاق النصارى.
وجاءت الجملة على سبه اشتغال العامل عن المعمول بضميره حيث قُدّم متعلِّق ﴿ أخَذْنا ميثاقهم ﴾ وفيه اسْم ظاهر، وجيء بضميره مع العامل للنكتة الداعية للاشتغال من تقرير المتعلِّق وتثبيته في الذهن إذ يتعلّق الحكم باسمه الظاهر وبضميره، فالتقدير : وأخذنا، من الذين قالوا : إنّا نصارى، ميثاقهم، وليس تقديم المجرور بالحرف لقصد الحصر.
وقيل : ضمير ﴿ ميثاقهم ﴾ عائد إلى اليهود، والإضافة على معنى التشبيه، أي من النصارى أخذنا ميثاقَ اليهود، أي مثلَه، فهو تشبيه بليغ حذفت الأداة فانتصب المشبّه به.
وهذا بعيد، لأنّ ميثاق اليهود لم يفصّل في الآية السابقة حتّى يشبّه به ميثاق النّصارى.
وعبّر عن النصارى بـ ﴿ الذين قالوا إنّا نصارى ﴾ هُنا وفي قوله الآتي :﴿ ولتجدنّ أقبربهم مودّة للّذين آمنوا الذين قالوا إنّا نصارى ﴾ [ المائدة : ٨٢ ] تسجيلاً عليهم بأنّ اسم دينهم مشير إلى أصل من أصوله، وهو أن يكون أتباعه أنصاراً لِما يأمر به الله، ﴿ كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاريَ إلى الله قال الحواريّون نحن أنصار الله ﴾ [ الصف : ١٤ ].


الصفحة التالية
Icon